يما تسعى الدول والانظمة في العالم الى تعزيز العلاقة مع شعوبها من خلال رسائل تبعث بها في المناسبات الوطنية والاعياد، ومن بين ذلك العفو عن السجناء، ترى الموقف عندنا مختلفا تماما، حيث تسبق كل مناسبة أو عيد حملة من حملات الاعتقال التي تأخذ الكثير من الابرياء بجريرة
الجناة، وفي الوقت الذي ينتظر فيه الكثيرون من اهالي هذا البلد الكريم مناسبة مباركة كعيد الاضحى لاطلاق سراح ابنائهم، يواجه المجتمع برمته حالة احتقان مضاعفة تزيد واقعه تأزما، حيث تنبثق بشكل مفاجئ، ومن دون مقدمات، عملية اعتقال واسعة، بحجة وجود تحرك مناهض، او محاولة انقلابية، وتجد من يبرز على الفضائيات ليدافع عن هذا التحرك من دون أن يعطي مسوغا قانونيا واحدا، لمجرد انه يناصر الحزب او الكتلة التي ترعى هذه الحملة، أو يحمل في نفسه ضغينة على شكل وطبيعة اولئك الذين يجري اعتقالهم، مع اننا تعلمنا في القانون انه لا جريمة الا بنص، ولا يعتقل انسان او يلقى القبض عليه الا بإذن قضائي، وهذا لم يتوفر في حملة الاعتقالات التي تشهدها البلاد منذ ايام.
الغريب، ان وزارة حقوق الانسان لم تتحرك ازاء ما يجري، ولم تدل بدلوها بشأن هذه الاعتقالات وفيما كنا نباهي بوجود هذه الوزارة التي ننفرد بها عن دول المنطقة، فانها يبدو لا تستطيع الخروج من عباءة الحكومة، وممارسة دورها في الدفاع عن حقوق الانسان.
بعض الاسماء المطلوبة للاجهزة الامنية لم تكن على قيد الحياة، والبقية الباقية في اعمار تجاوزت الخمسين والستين، وهي غير قادرة بكل الاحوال ان تتحرك بانسيابية، فضلا على ان تقود انقلابا عسكريا، لكن هناك من يحاول ان يبرر لحملة الاعتقالات من خلال منحها الشرعية القانونية، فيؤكد وجود مذكرات قبض بحق من جرى اعتقاله، لكننا نتساءل فقط: كم من مذكرة قبض قديما وحديثا صدرت ضد اشخاص لم يجر اعتقالهم حتى الان، مع توفر ادلة ادانة كافية بحقهم؟، ثم كيف اجتمعت كل هذه الاوامر مرة واحدة، وتناغمت مع حملات الاجتثاث التي شملت التدريسيين وسواهم، ثم لماذا هذا التوقيت بالذات، وماذا يعنون منه؟!.
كنا نتمنى فتح صفحة جديدة مع بدء انسحاب قوات الاحتلال من العراق لا أن نصعّد من حالة الصدام والخلاف داخل المجتمع العراقي، بقصد الانفراد والهيمنة، واقصاء الغير.
لا ندري أهو تغيير منهجي لانتزاع القانون من محتواه وتغيير آلية بناء دولته المنشودة اعتمادا على سطوة القوة الى حد اعتقال الناس استباقيا، وعلى فرضية النية المبيتة، وهواجس النفس، ورؤى المنامات؟.
واذا كان هناك من يدعي ان هذه الاجراءات حمائية ودفاعية ونحو ذلك، فاننا نؤكد ان عمليات الاعتقال العشوائية التي تحصل منذ ايام ستخلق فجوة بين المواطنين والدولة، كما انها تربك مسار العملية السياسية، وما نخشاه ان تخلف وراءها عواقب سلبية، خصوصا انها تأتي في وقت غير مناسب، لاننا من المفروض ان نقطع شوطا في المصالحة والتعايش السلمي، والاستقرار السياسي، لا أن نزيد من الطين بلة.
وعليه، ندعو الحكومة الى اعادة النظر في هذه الحملة، ومحاولة ضبط تحركات اجهزتها الأمنية بالقانون، وايجاد فضاءات جديدة تبعث الى النفوس الثقة والطمانينية بالغد الذي نتمناه.