اصلاحات ام ثورة تصحيحية ….؟
فلاح المشعل
جاءت مظاهرات العراقيين في أربع اسابيع متتالية ، بجملة حقائق واقعية وطنية ، أبرزها أن المتظاهرين يرفضون سلوك ومنهج الأحزاب المتسلطة الفاشلة التي اورثتهم هذا الفساد والنقص الفادح بالخدمات واسباب العيش الكريم ، مادفعهم للتظاهر من أجل تغيير حقيقي لحياة البؤس والتخلف والإنحطاط ، وهذا أمر يلخص شرعية مطاليب المتظاهرين وفقا ً لما نص عليه الدستور” الشعب مصدر السلطات ” .
شعارات المتظاهرين حظيت بتأييد وقبول شعبي عام تقريبا ، وهي تحمل شحنات غضب ، وتساؤلات واقعية دفع ثمن تجاهلها في أثنى عشر عاما ً ، وهاهي تنبأ عن نفاد الصبروالتصادم مع البنى والظواهر السلطوية المتحكمة دون شرعية إنجاز ، وهذا التصادم بالشعار سيدفع في وقت لاحق الى التصادم المادي بأشكاله وانماطه المختلفة ، في حالة بقاء الأمور ضمن المراوغة الترقيعية تحت مسمى الاصلاح .
ربما يشكل الإصلاح خطوة تمهيدية تعطي أوكلها في الأيام الأولى عبر جملة إجراءت تدخل في صميم الحياة العراقية ، مثل الاطاحة ببعض السلطات الفاسدة كالنزاهة والقضاء والإعلام والبنك المركزي ، وايداع عدد من حيتان المال والفساد والإرهاب في السجون ، لكن ان يمضي شهر والحال على ماهو عليه ، والفقير هو من يدفع الثمن وزعماء الأحزاب المتسلطة والداعمة للحكومة في وادي ومطاليب الجماهير في وادي آخر .
إهمال واستخفاف بالشعب جعل المظاهرات تنمو وتتكرر بدوافع اعمق ،بل صارت تجذب المتفرجين والخائفين، وتذهب الى نصب خيام وسرادق الإعتصام ، ولااحد يجيب لمطاليبها الحقيقية ، وهذا يعني غباء سياسي وعدم احترام الناس وحسب ، إنما التفاف صريح ومحاولة توظيف الزمن في تفتيت وحدة المطاليب والإحتجاجات .
الواقع العراقي المثخن بالجراح والألم والأزمات والفساد ، هو نتاج عملية سياسية رمت به على هذه السواحل القاحلة ، وهو أمر بات معروفا ً للجميع ، ولاينفع معه سوى تصحيح ثوري حقيقي يأتي على جذور المشكلة ومركباتها البنوية التي جعلت مشروع الإصلاح عبارة عن اجراءات سطحية ومرمى آخر لصراع نفوذ شخصي .
المطلوب عمليا ً الآن ، ثورة تصحيحية بنيوية للعملية السياسية والتعديل الدستوري ، وإرساء برامج عمل وبناء وافكار وثقافة ، تعيد قدرة الوطن على احياء مشروع الدولة العراقية المدنية المتجاوزة لهذا التحجيم المتخلف تحت عناوين طائفية أو مايسمى بالمكونات ، بمعنى آخر بناء دولة المواطنة والقانون ومحاسبة الفاسدين والسراق والمتخاذلين، بعيدا ًعن اي توصيفات طائفية وعرقية وحزبية .
تلك الثوابت المنهجية سوف تتيح للكفاءات الوطنية ان تنهض بمهامها وتعيد آلاف بل ملايين القدرات العراقية المشهورة في العالم لتشارك ببناء الوطن ونهضته ، كما تتيح فرص النمو والتعايش السلمي للجميع ،وتكافؤ الفرص وتعميق فكرة الوطن الواحد مع الغاء كافة مظاهر التفرقة والجريمة والجماعات المسلحة وسطوة العصابات تحت عناوين سياسية او طائفية .
تلك هي الإجراءات الثورية المطلوبة وليس اصلاحات خجولة وباهتة ، ونحن نعتقد ان الوقت مازال متاحا ً لرئيس الوزراء حيدر العبادي طالما حصل على تفويض الشعب ، وتأييد المرجعية ، الوقت متاح قبل ان تنمو مشاعر الياس وتتجه نحو التصادم العنفي ، خصوصا ً وان الاحزاب صارت تضيق بوجود هذه المظاهرات وشعاراتها .