اشكالية الفساد في كوردستان
جوتيار تمر/ كوردستان
11/9/2015
عندما تحررت اغلب مناطق كوردستان الجنوبية وبدأ بناء المؤسسات السياسية والدستورية ، برز الصراع الحزبي بين الحزبين الرئيسيين انذاك( الديقمراطي الكوردستاني، والاتحاد الكوردستاني)، ونتج عن هذا الصراع تعطيل الكثير من الاسس الديمقراطية والتي كان المجتمع الكوردي اجمالاً يناشده بعد التحرر من الحكومات القومية العنصرية المتوالية في العراق، والغريب في الامر انه رافق هذا الصراع وتلك المناشدة بروز مصطلحات كانت ولم تزل مثار جدل واسع سواء على المستوى النخبوي او على مستوى العامة، وبين هولاء والاخرين نتج فجوة وهوة اجدها تكبر وتتسع بمرور الوقت.. ولعل ابرز هذه المصطلحات هو ( الفساد)، فمع توزيع الكراسي واتخاذ السلطة هيكلية ادارية تخص الحزبين.. بدأ الحديث عن محاربة الفساد و المفسدين من ناهبي المال العام ، ومستغلي مواقعهم السياسية ، و قربهم من الدوائر العليا للقرار لمراكمة الثروة ، إيمانا منهم ان هناك علاقة حميمة بين المال و السلطة، واستحضارهم منطق ازدواجية المصالح بين مالكي الرأسمال، و صناع القرار السياسي.
على هذا الاساس بدأت الاسئلة ايضاً تظهر في الاوساط الثقافية، خاصة المتنازعة مع السلطوية بحيث بدا جلياً لاصحاب الرأسمال والكراسي بان مصطلح الفساد مبالغ فيه، وليس هناك اية اشكالية نتج عن الصراع السلطوي، وتناست هذه الجهات بأن الفساد في ابسط مفاهيمة يعرف بأنه سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام لتحقيق مكاسب شخصية( حزبية)، كما عرفت منظمة الشفافية الدولية التي لاتميز او تفرق بين الفساد الاداري والسياسي او الفساد الصغير والفساد الكبير بحيث رأت بان عمليات الفساد تسلب من البلدان طاقاتها وتمثل عقبة اداء في طريق التنمية المستدامة.. وبهذا اوضحت بأن اي عمل اداري كان او سياسي يعيق العملية التنموية الجوهرية وليس الظاهرية فانه يعد فساداً.. ولعل الامر لايحتاج الى توضيحات وبراهين كي نجعل الناس تقف على ماهية هذه العوائق التي ادت الى حدوث شرخ واسع بين السلطوية وبين القاعدة في وقتنا الحالي.. لاسيما ان الحزبين اصبحا مصدر اعاقة واضحة بنظر الاحزاب التي ظهرت بعدها، سواء على صعيد التنمية او على الصعيد السياسي الدستوري ايضاً.. ومن هنا انطلقت الحملات لمحاربة الفساد في كل البنى الاساسية والمرتكزات الحيوية في الاوساط الحكومية والحزبية لكونهما المصدر الاساس للفساد.
والفساد في كوردستان يمكن تصنيفه بثلاث اوجه، الاول يتمثل بالفساد الحزبي والذي هو مصدر اساس لاغلب المجالات الفسادية الاخرى لكونه يمس البنية الاساسية للاجتماع” القاعدة/ العامة” بصورة مباشرة، والفساد الاخر هو الفساد السلطوي والذي يستمد قوته وجذوره من الفساد الاول الحزبي بحيث نجد بأن الصراع ليس على الكراسي من اجل قضايا التنمية والابداع والتطور والسلام والامان، انما هو صراع جذري بين تلك الاوساط الحزبية السياسية السلطوية كي يملئ كل حزب خزائنه بالموارد المالية بكل تصنيفاتها، وهذا ما ينعكس سلباً على المجتمع الاداري لاسيما في مرحلتنا الراهنة والتي تضرر الوسط الاداري الوظيفي كثيراً بهذا الفساد وهذا الصراع، والوجه الثالث للفساد يتمثل بانتهاج اصحاب الرأسمال والتجار والطبقة الوسطى وحتى الاوساط العلمية والتربوية والمؤسساتية الادارية طريق الاستغلال في اغلب مجالات الحياة، بحيث لاتجد طريقاً او مسلكاً صناعياً تجارياً حرفياً وظيفياً ادارياً تربوياً علمياً صغيراً كان ام كبيراً الا وفيه بعض جذور التفسخ والانحلال والانخراط الفسادي مما جعل الاجتماع يصيب بعدوى الفساد ايضا فانتقل الفساد الى الشرائح الاخرى، مما يجعل المستقبل على المحك لاسيما اذا استمرت الاوضاع على هذا النهج اللامنظم والفوضي.
ان تفشي ظاهرة الفساد لايمكن اعتبارها عملاً ظرفياً او عبثياً لكون اصحاب العقل الفسادي في الاصل غير منظمين او عبثيين في اعمالهم، وكذلك لكونهم لايمتلكون عقول خارقة لخلق اوضاع اكثر انسجاماً مع التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في المنطقة.. بالعكس تماما فهولاء( لكون اغلبهم لايمتلكون شهادات تخصصية او حتى الوعي الادراي التنظيمي التطوري)، يستغلون كل ظرف وكل طارئ وكل صغيرة وكبيرة من اجل فرض رؤيتهم الفسادية وذلك لكسب المزيد من الامتيازات الشخصية او الحزبية او السلطوية، فحتى ان البعض منهم استغل الحرب ضد الارهاب الداعشي وتاجر سياسياً ومالياً معهم مع العلم بانهم كانوا وقتها يذبحون البيشمركة ويقتلون الابرياء ويسبون الفتيات في قرى ومدن كوردستان، ولأن هذه العقليات مازالت تتصدر السلطة في الكثير من المواقع الحساسة ولم يتم التعامل مع هولاء بجدية ولم يقدموا امام الرأي العام للمحاكمة فان السلطة باكملها لم تزل متهمة من قبل الواعيين من هذا الشعب على انهم شركاء في الجريمة.. وبنفس الطريقة فان كل المؤسسات التي تستغل سلطاتها الادارية سواء من موظف او اداري صغير او كبير نرى بانهم شركاء في الجريمة بحق هذا الشعب الذي ضحى بكل شيء من اجل القضية التي يؤمن .. وانهم لن يسامحوا يوماً اي كان وتحت اي مسمى يكون بأن بفرطوا بدماء الشهداء والابرياء من اجل مصالحهم الحزبية والسلطوية والتجارية.