عبدالاميرالركابي
من اكثر المظاهر دلالة على القصور العقلي الملازم مايزال والمميز للكائن “الانسايوان”، ماعرفه هذا الأخير من “مفهوم” يعي به ظاهرة”الحياة” وانواعها المحتملة. اننا نسمع احيانا بمحاولات بحث عن “الحياة” خارج كوكب الأرض بين الكواكب الأخرى، كما نسمع عن الحياة على الأرض نفسها، ومتى بدات، فلا يخطر لنا سوى ان الحياة المقصودة، هي تلك التي تخصنا نحن، والتي انحدرنا منها، ونتتمي لها،منذ ان وجدت علامات دالة على الحيوية العضوية، قبل ذلك لاوجود براينا ل “الحياة”، ولا لأنماط حياتية أخرى محتمله، او مفترضة على مستوى الكون، مايجعل من المصادرة الساذجه التبسيطية والخام، خاصية مميزه وملازمه لمنظور الكائن البشري بطوره الراهن على هذا الصعيد بالذات، عدا عن غيره من صعد.
اذا اخذنا بالاعتبار حالة الكوكب الأرضي قبل ظهور شكل الحياة العضوية والحيوانيه، واردنا النظر الى، وتخيل حالة الاحتراق اللهبي الهائل، والغازات، ودوي البراكين، والعواصف والاعاصير الرهيبة، والامطارالتي لاتنقطع، والمتغيرات المناخية والتضاريسية، وفي أماكن توزعات الجبال والبحار والغابات، والانغمارات من مختلف الأصناف، وتبدلاتها، ابان الابتراد الكوكبي، وبعده، واردنا وضع تلك السمفونية الكبرى، ضمن سياقات توحدها خلال وعبر مئات ملايين السنينن، فان فكرة الجماد الصامت الساكن، يفترض ان تتزحزح من مكانها في اذهاننا، بالاخص اذا استطعنا وضع مانشير له داخل المسار الذي هو مصمم لاجل تأديته من قبيل الغرضية المضمرة الواضحة، سواء بما يتعلق بالحصيلة او النتيجه التي تمخض عنها، او التي آل اليها منذ ظهور الحياة العضوية، او من ناحية التحول في الدور والمهمة، وهو ماصار بمثابة التفاعلية الضرورية، التي لانشوئية واستمرار تحوليه، وصيرورة حيوانيه صاعدة، من دونها.
ان تاريخ الارتقاء، هو تاريخ التصير على مدى عشرات ملايين القرون داخل الطبيعة، وبناء على حكمتها المتاتية من نوع تشكلها وتغيرها، او ماهو “حياتها”، التي من دونها لاحياة، ولا عملية تطور سلّمي ـ من سلّم/ درج ـ من الخليه الأولى، الى الكائن البشري المنتصب والذي يستعمل يديه، الجاهز لانبثاق العقل، وبدء عملة الانتقال من الطور الحيواني وتحولاته، من العضايا وقبلها، الى اللبونات، ومن ثم القرود ومابعدها، وهو تاريخ لايمكن فصلة، ولا تصور حصوله من دون تلازم حياتين، حياة الطبيعه البيئية، الموازية والبوتقه، والحياة العضوية، بحيث من المستحيل تصور إمكانية استمرار العملية التصيرية النشوئية كما صرنا نعرفها، بالصورة المتاحة منذ “دارون”، في حال اتجهت “الطبيعة” الى التوقف على شكل وصيغة بعينها، تبقى ثابته و “متجمدة”،وقررت عدم التحول والانتقال الى اشكال ومراحل وأنواع تضاريس ومناخات أخرى، مواكبه لمايكون قد صار، ومايجب ان يصير عليه، وبلغة النشوء العضوي، وما قد وصله من مراحل ومديات تحوليته التصيّرية الصعودية، الذاهبة الى انبثاق المادة العقلية.
لم يكن ل”الحياة” ان توجد وتتصير بمفردها، او بمعزل عن حاملها ومحفزها، وراسم وجهتها ،”الطبيعة الحية”، ولا استمرار كذلك الحاصل، فيما لو ان الطبيعة التي نتحدث عنها كانت جامدة، ومن دون حياة، بغض النظر عن نكراننا لها، وكاننا ندعي كوننا “قد خلقنا انفسنا يانفسنا”، وتجاهلنا لمثل هذه الخاصية الأساسية فيها، فاذا كان الامر كذلك بماخص التصيّر الحياتي العضوي، فكيف يكون الامر بماخص حياة ماقبل هذا التاريخ؟ أي الطور الحياتي الارضوي السابق على، والذي انتهى متمخضا عن الحياة العضوية؟، المعتاد هو الذهاب الى القول بان الأرض كانت بداية كتلة ملتهبة، ثم صارت بعد تفاعلات طويلة الى الابتراد، والى تحولها الى مكان صالح للحياة، وليس للحياة الثانيه المولودة من أولى، فالحياة بنظر الكائنات البشرية التي نحن منها، هي تلك العضوية النباتيه، بمجمل المعروف من مواصفاتها المغايرة للجمادية، وحسب.
هذا يأخذ بنا لان نميل للقول، بان الكائن البشري المعروف ب “الانسايوان”، هو كائن من اهم صفاته، الأحادية الحياتية مفهوما. ذلك علما بان الأرض، او الطبيعه، لاتتوفر على الأسباب التي تتيح لها الإفصاح عن ذاتها،او التصريح عن منطويات كينونتها الوجودية ـ على الأقل وفق اللغة المفهومة من الانسايوان ـ، الامر الذي يمعن الكائن البشري في استغلاله لكي يكرس احاديته، موغلا لحد، ولدرجة ابعد، تصل الى ماهو اخطر بكثير، مع مايذهب اليه البشر من تعميم نموذجهم الذي يعتبرونه حياتياوحيدا، على الكون، وعلى الكواكب الأخرى، متنطعين مع ذلك وبسببه، لمهمه الكشف عن مناحي واحتمالات الحياة خارج كوكب الأرض.
لنتخيل إمكانية مثل هذه، تنطوي على إحتمال ان يبلغ الكائن البشري مايتصوره من غاية على هذا الصعيد، بينما هو عاجز عن الإحاطة بالحياة واشكالها داخل كوكبه، كما بالعلاقة بالقوة والطرف الذي كان الاساس في جعل وجوده وصيرورته ممكنان، هذا في حال اردنا التجاوز على ماقبل الحياة الثانيه، العضوية، وتاريخ ظهورها، مادام البعض يكاد يقول صراحة، بان الحياة العضوية هبطت على الكوكب الأرضي من خارجه، وعلى اثر فترة من الازدحام في نزول النيازك عليه / ليس هذا راي “دارون” الذي يعتقد على العكس بان الحياة العضوية ظهرت على الأرض على ضفاف بعض البحيرات/ ،فكيف ووفقا لأيه اشتراطات وممكنات، يمتلك الكائن البشري بحالته الموصوفة، القدرة على تخيل، او تعيين اشكال الحياة المفترضة، او الممكنه كونيا، خارج كوكبه الذي يسكنه، بينما هو ماخوذ بالرؤية الدكتاتورية الأحادية للحياة، وخاضع لاشتراطات التفكرية ماقبل “العقلية”، بحدودها البدائية.
الكره الأرضية هي كوكب حي، وجد بالاصل حيا حياة غير واعية، وظل حيا الى اليوم، يمارس دوره الحيوي الاستكمالي التحولي، مولدا حياة واعية ابتدائية، لم يتوقف دوره في رعايتها ومتابعة الفعل الضروري فيها لاجل اكتمال تصيرها، فاستمرت حيويته معها، ومنذ انبثاقها حضورا، في تشكل الحياة الواعية العضوية، حيوانيه أولا، وحيوانيه جسدية/ عقليه ثانيا، ومجتمعية عقليه ثالثا، تفضي الى الحياة العليا الواعية الصرفة. بما يعني ان الحياة حيوات، وانها متلازمة متداخله لاوجود لها اذا كانت”أحادية “، او ” واحدة”، وان كل طور من اطوارها وزمنها، يقابله على الطرف الارضوي الرحمي، شكل وصيغة راعية، متشكله بحسب المقتضيات الضرورية اللزومية لما قد صار حالة راهنه، مفتوحة على مابعدها، الامر الذي يضفي على مايتداول، متابعة لعمر الكوكب الأرضي الملاحظ من ازمان، الجليدية وتقسيماتها، وغيرها مما يتبعها من المسماة، حديدية، او برونزيه، وماالى ذلك، باعتبارها لحظات عمرية، لها نسق توزعاتها بين الشباب، والطفولة، والكهولة، المقابله لها على الطرف البشري الحيواني، مع الاختلافات الهائلة بين الكينونتين، وماتقتضيانه من روزنامه زمنية مغايره بحسب المتطباق مع الحالة والصنف.
لاوجود في الكون لمولود حي ينبثق من رحم ميت، او من عدم/ بحسب الحدود اللغوية المتاحة تعبيرا لبني البشر/ كمالايمكن للتصير الذاتي البحت، ان يتحقق خارج الرعاية التي هي مظهر وحدة، يقول بان ” الحياة” جملة، وليست افرادية، وانها صائرة و”متحولة” ينتظمها قانون تحولي كوني صعودي، الحياة العضوية فيه تنبثق من الحياة الأدنى اللاعضوية، الجمادية، ويصبحان حياتين متلازمتين، مثل الام والجنين، لافصل بينهما، حتى بعد الولادة، اذ تستمر الرعاية والتنشئة الضرورية، غير القابلة للانفصال ترقيا، من الحياة الحيوانيه الأولى، الى الحياة “الانسايوانيه”، حيث انبثاق المادة العقلية، وصولا الى المجتمعية، اخر محطة تحوليه قبل الخروج من ربقة الحيوانيه، وبدءاستقلال العقل، او الحياتيه الكونيه العليا.
كيف وجدت الأرض والمجموعة الشمسية، ووفق اية سياقات تحولية، ولاي غرض، وضمن اية مسارات ” تحولية” يالقياس الى مايناظرها، او يقابلها من مادة التحول، والى اين؟ مادمنا لسنا بعد بوارد اعتماد قانون “التحوليّة الكونيه: الاشمل، وتصيراته، مع اعتبار الكون، ماخوذا ب، ومحكوما لقانون تصير تحولي ابدي، فلا يجوز ان نتخيل اقترابنا باية حال، بينما نحن على مانحن عليه وفيه، من نطاق وعالم الحياة المتضمنه في الكون، والتي هي سره، ومايدل على قوانينه، وفي الكواكب التي يتوزع عليها، سواء منها المرئي الذي يتبدى لنا، او اللامرئي كاحتمال يطابق فرضية التحول، من الملموس المعاين، الى الصنف الاخر غير القابل للاستيعاء بحسب الاستشعارات والحواس الدنيا.
لعل ماتقدم يقربنا من اعادة النظر الى الحالة الوحدانيه الحياتيه المعتمدة اليوم، والنظر لها على انها هي “صيغة الحياة”، ومايمكن ان يتصل بذلك وينتج عنه من اشكال تطبيق “علمي !!!!!”، او محاولات مقاربة كونيه بدائية، لم يات الأوان لكي تصير متاحة، مادام الكائن البشري،على ماهو، صيغة ماامكن ان تبلغه التحولية الحياتيه الأرضوية، ممثلة ب “الانسايوان”، العتبة الانتقالية المؤقته، قبل ظهور”الانسان”، مع بدء لحظة انبثاق “العقل” المنتظر اكتمال تشكله، بعد تاريخ من تصيّر المادة العقلية، التي استمرت تترقى منذ انبثاقها الأولي في الجسد الحيواني، بانتظاراجتيازالطور المجتمعي الحالي.
ـ يتبع ـ
اسطورة النمط الحياتي الواحد الوحيد؟(1/2)
اترك تعليقا