استثمار الطاقة الصورية في(هكذا اتيت)
علوان السلمان
من المعروف ان لكل فن من الفنون اشارتان : اولهما جمالية..وثانيهما ايصالية)..
والنص الشعري..فن الاشتغال اللغوي الذي تتساوق في جمله العناصر المعبرة عن الجمال وكوامن الوجد عبر صور تمازج ما بين الخيالي والواقعي في سياق حسي مقترن بالحياة بذهنية متحفزة تتشكل رؤيتها بنزوع انساني..
…..انه تجليات الذات المنتجة(الشاعرة) للكشف عن صيرورتها من خلال افراز الوعي الجدلي القائم على التقنية والجمالية المحققين للمتعة الروحية بصورها..والمنفعة الفكرية بتسائلاتها الكاشفة عما خلف الفاظها وتراكيبها..
وباستحضار المجموعة الشعرية(هكذا اتيت) التي نسجت عوالمها النصية انامل منتجها رحيم زاير الغانم..واسهم الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/2020..كونها تستثمر الطاقة الصورية بسردية شعرية في بناء عوالمها المقطعية باتقان فني وفكري مدهش يعتمد على ترابط الوحدات الشعرية التي شكلت عوالمه وربطتها بخيط رفيع احتضن وحدتها الموضوعية وخلق ممكناتها الجمالية..
ولاني قريب من الماء
أتيت منسابا شفيفا.. بلون اسمر
فالخلجان تدور….تدور
بخجل وقليلا ما تتدافع
فأتيت رحيما
هكذا اسمتني الايام وهي تقرأ عن الحب
وجوها من البشر تمضي
وأخرى ملتاعة بالليالي البيض
وسمر المناجاة
هكذا احبو.. / ص15
فالنص بمقاطعه (السيرية)السردية يمتلك تماسكا ووحدة موضوعية وفنية..مع صدق التجربة (تجربة الولادة والخوض في غمار الحياة) واشغال المنتج (الشاعر) حيزا في الفراغ وله فعل..اضافة الى غنى الافكار مع تلقائية التعبير..كون المنتج(الشاعر) ينتقي مفرداته الموحية البعيدة عن الضبابية والغموض ليبني صوره بناء يعتمد التشبيه الحسي الذي يشكل عالمه الخارجي الذي يكشف عن اكتناز ذهنيته الفاعلة والمتفاعلة بنظراته المتميزة للحياة والتوحد معها عبر مقاطعه المثقلة بالافكار المتشكلة فنيا بصياغة مضامينه صياغة تقتضي المنطق والعقلانية وتكشف عن وعي شعري..منفتج على تقنيات السرد البصري مع توظيف تقانات اسلوبية كالتنقيط (النص الصامت) والتشكيل الذي يستفز المستهلك(المتلقي) ليشارك في املاء فراغاته والاسهام في بناء عواله..وهناك تقنية التكرار الاسلوب التوكيدي الذي يضفي على النص موسقة مضافة..فضلا عن الاستغناء عن التفاصيل بتوظيف المجاز والجناس(واتيت رحيما)..فرحيما من الرحمة او اسم المنتج(الشاعر) والرمز الدال والاستعارة اللفظية المضفية على النص عمق فكري وجمالي.. ابتداء من العنوان البنية الرحمية المنتجة لمعظم دلالات النص والكاشفة عن ابعاده الفكرية والنفسية..فهو تركيب مكون من علامتين لغويتين موحيتين مستلتين من العتبات النصية الستراتيجية..المؤثرة نفسيا على المستهلك(المتلقي) والجاذب الاساس لاستقراء المتن والكشف عما خلف صوره والفاظه..
الظلمة تذهلني في تحييد الرؤية
ويذهلني كذلك اتساع رقعة الخوف..
فجسدي الجديد شديد النعومة
في هذا القاع المترامي
عتمة وطينا
لا أكاد أنتشي من رائحة البياض
لكني أذوي لأفول نداء السمرة..
فلا عاصم من انهيار ضفافي
بما يرتق رأسي / ص59
فالشاعر يبوح بوحا أقرب الى حوار الذات معتمدا النظام الكتلي(المقطعي) الذي يصب في مجرى واحد للماهية الشعرية..اضافة الى البناء المتنامي..اذ فيه الصورة تتوالد منها الصور التي بعدها..مع ضربة اسلوبية ادهاشية متوهجة..اما المعايير التي يلزمها المنتج ويبني عليها النص فهي تنحصر في عدة آليات منها بلاغية(استعارة /مجاز/تشبيه..) وآلية الانزياح والتكثيف الصوري والاختزال الجملي المانح للنص عمق المعنى الذي يسهم في نبش الخزانة الفكرية للمستهلك(المتلقي)…