اخبايا الناس
الإرث الملعون:
خاص بمعارج الفكر / الأدب النسوي
عرفها قبل أن يعرفها، كيف لا وهي التي تأسر من يسمع صوتها، حتى قبل أن ينظر في عينيها. لطالما سحرته رقّتها، وعنفوانها، وأسلوبها، وجمالها، ولم يفارق طيفها خياله لحظة. يدرك جيداً أنّه يهيم بها ويعشقها، وهي تطير كفراشة زاهية في بحر أحلامه، وتنفث من رحيق أزهارها بريقاً حالماً في عينيه. حاول أن يخفي هيامه فاصطدم بغير مانع، وكيف يقدر! بل كيف يجرؤ! وهو الذي اعتاد أن يتنفّس حبّها ويعشق روحها، حتى ولو لم يرها. قرّر مصارحتها بحبّه، وهو الذي يشعر بخفقان قلبها قبل أن يقترب منها. إنتظرها في ساعات يومه الطويل علّه يرتشف من بين كلماتها همساً لا يُمكن إغفاله أو تجاهل معانيه، وهي التي تسرح في بحر عينيه مراقصة أمواج أفكاره التي تحلم أن ترسو على ميناء حبّها. بدأت تسرد قصتها المريرة على مسامعه التي لم تعد تطرب لصوتها، فجأة لم يعد يرغب بمجالستها أو حتى الغوص في بحر عينيها، جمعته غربة بها، نصّب نفسه قاضياً أصدر حكمه على ماض لم تختر أيّاً من مكنوناته، ولم تنسج خيطاً من خيوط أحداثه. أخبرته بأنّها الإبنة الصغرى لأنثى حملت وأنجبت، وحملت وأنجبت، وأعادت الكرّة ثلاث مرّات ولم تأبه، وفي المرّة الرابعة وعندما همّت بتكرار الوضع إكتشفت بأنّها تريد أن تحيا حياة من نوع آخر، حياة تنقلها إلى جنان تُحييها ” فتعيش فيها “. إختارت الرحيل إلى غير رجعة .. قطعت حبل السرّة ورحلت .. رحلت لتتنسّم حريتها ولتحيا غير آبهة بما خلّفت ووأدت .. لم تكد تنهي سرد فصلاً من فصول قصّتها حتى تراءى لها بعيداً يسير على هدًى غير آبه بما سيحل بها.. ولا زالت حتى الساعة تنتظر عودتهما المستحيلة.
(ليلى شمس الدين)