احزاب الفساد – تملق المرجعية الدينية… التشكيك بالمظاهرات الشعبية
احسان جواد كاظم
الشرارة التي قدحها شباب شباط/ 2011 في ساحة التحرير اصبحت شعلة تنير مسارب الظلام وتلاحق الفاسدين والارهابيين الذين ساموا شعبنا مر العذاب.
وكانت قوى الاسلام السياسي الفاسدة قد حاربت المظاهرات الشعبية السابقة الداعية للاصلاح وقمعتها بقوة لانها كانت من تدبير العلمانيين والشيوعيين, وانها مخترقة من قوى معادية للعملية السياسية, تستهدف قلب النظام كما ادعوا, لكن الاحتجاجات الشعبية الحالية اوسع من ان تلبسها رداءاً محدداً, فقد عم الاستياء الشعبي اوساطاً واسعة كانت الى وقت قريب تحسب بأنها من رصيد احزاب السلطة وبالخصوص احزاب الاسلام السياسي الفاسد.
ان الرعب الذي انتاب هذه القوى من الهبة الشعبية العارمة الجديدة في اغلب مدن وقصبات الوطن, جعلها تنقلب رأساً على عقب واصبحت بين ليلة وضحاها , من متجاهلة لآلام ابناء شعبنا وسارقة لأمواله طوال اثنا عشر عاماً من حكمها الى متحمسة للاصلاح ومحاربة للفساد… “صحوة بعد كفخة”.
وبعد ان كانت هذه القوى متجاهلة لدعوات المرجع الديني علي السيستاني التي تدعي انتماءها له, لاصلاح الوضع مثل الغاء المناصب غير الدستورية والحد من اثراء المسؤولين او عدم رفع اعلام حزبية في جبهات القتال مع دولة داعش الاسلامية سوى علم العراق وغيرها من توجيهات المرجعية, نراها اليوم تتسابق على تقديم آيات الطاعة والولاء له, بعد تأييده لمطالب المتظاهرين بالتغيير ودعوته لرئيس الوزراء حيدر العبادي للمضي قدماً بضرب الفساد بيد من حديد. وهذا ليس متأتياً من اقتناع حقيقي برأي المرجعية وانما تملقاً لها واحتماءاً بها من غضب شعبي قادم ان لم تنفذ مطالبها.
كما انها اضطرت الى الدخول على خط تأييد المظاهرات الشعبية المطالبة بأنهاء فسادها واستعدادها لتقديم اكباش فداء, تفادياً لتجذر المطالب الشعبية, خصوصاً بعد ان شهدت انخراط الكثير من جماهيرها في هذه المظاهرات…وتهاوي دعاوى قدسيتها حد هتاف الجماهير” باسم الدين باكونة الحرامية”, ومطالبة هذه الجماهير بأقالة ممثليها الفاسدين في السلطة المركزية والمحلية وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل على سرقة قوت الملايين, واسترجاع ما سرقوه, وهذا ما يجعلها تتأنى وتنتظر حتى تحين الفرصة السانحة للانقضاض على الحركة الشعبية واغراقها بالدم, بما تملكه من ميليشيات واموال وسلطة.
وهي تنهج اليوم نهجاً مرائياً, بتصريحها بحق التظاهر السلمي للمواطنين الذي كفله الدستور لكن هذه الجملة تأتي دائماً مشفوعة ب “لكن” تشكيكاً بالمتظاهرين المدنيين. وهي لا تنفك عن تقدبم النصائح لجموع المتظاهرين المدنيين من امكانية اختراق مجاميعهم من قوى الارهاب او ايتام البعث البائد وحرف مسار التظاهرات, رغم ان الكل يعلم انها آخر من يحق لها تقديم مثل هذه النصائح, ففاقد الشيْ لا يعطيه, فقوى الاسلام السياسي هي اكثر الجهات اختراقاً, بشكل ارادي او لا ارادي, من مخابرات اجنبية او من البعثيين والدواعش .
في الوقت الذي تواصل محاولاتها بزج طابورها الخامس من بعض مرتزقتها لأختراق صفوف المنتفضين في ساحة التحرير والاعتداء على متظاهرات ومتظاهرين سلميين يدعون للدولة المدنية الديمقراطية او محاولات اغتيال لبعض الناشطين المدنيين في مدن عراقية اخرى, الا تعرية سافرة لحقيقة ادعاءاتها الكاذبة بدعم مطالب الشعب العراقي ولأجراءات حيدر العبادي الاصلاحية. ويمكن اعتبار هذه الاعتداءات بداية لجهود مافيا الفساد في وضع العصي في عجلة الاصلاح المأمول وللثأر من الحركة الشعبية الداعية للتغيير.
كما بدا واضحاً مدى تجاهل القناة الرسمية العراقية للتظاهرات الشعبية واستضافتها, في الكثير من الاحيان, لمحللين مقربين من احزاب المحاصصة الفاسدة وتشكيكهم بنوايا ابناء الشعب او جعل الاصلاحات صدى لدعوة المرجعية فقط دون الاصوات الشعبية المدنية في ازدراء متعمد للوعي الشعبي النابع من معاناة وآلام شعبنا , ثم رضوخها لاحقاً للضغط الشعبي, بعرض مباشر للمظاهرات كل جمعة من ساحات التظاهر لكن بالتركيز على جانب معين من التظاهرات دون اخرى, اضافة الى فرض احتكارها للبث المباشر, واستبعاد قنوات فضائية اخرى من قبل جهات رسمية. كل ذلك يشكل انتهاكاً لحق المواطن بالمعلومة المحايدة المتكاملة من قناته الرسمية ووسائل الاعلام الاخرى.
يعتبر الفاسدون ان الدعوة لاسقاط نهج المحاصصة الطائفية- العرقية, أُس الفساد, بأنها اسقاط لنظام الدولة واشاعة للفوضى وكأن الاستقرار لايقوم ولا يستقيم الا بوجودهم وتمتعهم بالثروة والسلطة والجاه على حساب المواطنين, رغم ان الوقائع والشواهد أثبتت عكس ذلك, فأن تغول الارهاب كان بسبب استفادته القصوى من فسادهم وتهرأ منظومة حكمهم نتيجة انتشار ظواهر فساد متعددة ومنها ظاهرة شراء الذمم التي طالت حتى قيادات متنفذة في المؤسسة العسكرية مرتبطة بأحزابهم, اضافة الى استقتالهم على حجب حقوق الناس ونهب اموال الشعب مما سهل على ارهابيي داعش اغتصاب ثلث العراق, برمشة عين. وهنا تتداعي كل حججهم البائسة بأن الوقت غير مناسب لأصلاح العملية السياسية ومحاسبة رموز الفساد لوجود تهديد خارجي متمثل بدولة داعش الاسلامية بينما تؤكد الوقائع بأن حالة الالتحام الشعبي ووحدة الموقف في ساحات التظاهر وتهاوي مشاريع التقسيم الطائفي والعرقي من خلال الانتفاضة الشعبية هو افضل رد على الارهاب والارهابيين ومن ممرري مؤامراتهم ضد وحدة شعب وتراب العراق وهي اللحظة التاريخية المناسبة حقاً لتدعيم وحدة البلاد وتلاحم ابناءها.
نقول لرئيس الوزراء حيدر العبادي: ” ارفع لواء الحق يأتيك رجاله” !