سهى بطرس هرمز
هنالك حدود وخطوط حمراء تخص البعض لا يجوز تخطيها من قبل البعض الآخر، لأنها تعتبر بمثابة الانتهاك والتعدي على الحرية الشخصية وخصوصيتها وقدسيتها. كبعض المواقف التي تمرُّ في حياة البعض من الناس التي قد يجد فيها تطاول أو إهانة من قبل البعض على هؤلاء، فمثلا نلاحظ فتاة ماشية في طريقها للبيت أو للمدرسة أو للعمل، وإذا بشاب يُعاكسها ويُزعجها بكلامهِ، فنجدها تلتفتْ عليه وتقول لهُ بكل حزمٍ:” أحترم نفسك”! لأنهُ عندما يحترم نفسهُ يُدرك قيمتها ويحافظ على كرامتهِ ولا يقبل أن تُهان من قبل الآخرين، فبالتالي سيعرف كيف يحترم الآخرين وقيمتهم ويعرف حدودهُ ولا يتعداها أكثر؟ !
فما أهمية أن ينال الإنسان أحترامهُ لنفسهِ؟
الله خلق الإنسان مُميزًا ومُتمايزًا عن باقي الخلائق بحيث أكرمهُ بالعقل وميزهُ بمكارم الأخلاق لتوجيه سلوكهِ وأخلاقياتهِ داخل المجتمع وتحسين علاقاتهِ مع غيرهِ من الناس، وللحفاظ على التماسُّك والترابط الاجتماعي بالرغم من وجود التناقضات والفوارق المُختلفة، لأننا نحن البشر جميعنْا نختلف عن بعضنا البعض من حيث الصفات المُكتسبة والمُتوارثة والشخصيات المُنفردة والمُتمايزة مع التفاوت في الطبقات الثقافية، وهذا الطبيعي، فلولا هذا الاختلاف لكان جميع البشر نسخة واحدة وبالتالي لمْ يكنْ الإنسان قد تطور وتجددتْ ودارتْ الحياة به.
والأحترام هو أحدى هذه الأخلاقيات والسلوكيات والقيم الراقية التي ترقيِّ بالروح البشرية وتسمّو بها، وهو شيءٌ أساسي ومفروض بين أي فئة عمرية من البشر، لأحترام بعضهم البعض وأحترام آرائهم وإنسانهم، إنسانيتهم، براءتهم، حرياتهم، عملهم، دينهم، لغتهم، حضارتهم، أصلهم، جنسهم، مجلسهم، خصوصياتهم، مكانتهم، كرامتهم، قيمهم، حقوقهم، ثقافتهم، أخلاقهم…..ألخ. فالاحترام بجميع أنواعهِ واجب مُستحق من كل إنسان في أي مُجتمع وفي أي موقف وعلاقة سواء كان في: أحترام الزوج لزوجتهِ، الزميل لزميلتهِ، الأبناء لوالديهم، الجيران لبعضهم، الموظف لرئيسهِ، الطالب لمعلمهِ، وأحترام الأكبر سنًا، الأبسط حالاً…. ألخ.
ونلاحظ مع تطور الحياة وتقدم التكنولوجيا أصبح التواصل والتداخل بين البشر بعضهم البعض أمرًا قائمًا ولابدّ منهُ للأستمرارية والمُواصلة ولمُسايرة الحياة، ولكن كيف لابدَّ وأن يكون شكل وإطار هذه العلاقة بينهم؟!
سُأل نزار قباني ذات مرةٍ:” ماذا يوجد في الشام ويجعلك تعشقها كل هذا العشق؟! فسكتَ وفكرَ لبرهةٍ من الزمن، ثم أجاب “:في الشامِ شامٌ”! كذلك الأحترام المفروض أن يكون من أجل الأحترام ذاتهُ دون نفاق أو خوف أو تملق أو تجريح أو مُجاملات وتصنع أو معاملات تخدش الشعور. والله خلقنْا وجبّلنْا نحن البشر من ماء وتراب، بما معناه نحن خُلقنا طبيعيين ويجب أن نتعامل مع أنفسنْا ومع الآخرين من خلال هذه الطبيعة.
وكل إنسان إذا حاول أن يستعيد ذكرياتهِ ومشواره في الحياة لوجد أن هنالك زخمًا هائلاً من العلاقات الاجتماعية الطيبة التي ربطتهُ أو تربطهُ بأشخاص مروّا في حياتهِ سواء كان في المدرسة والعمل وبالمُجتمع بحيث تركتْ أثرها في نفسهِ وفي تكوين شخصهِ وإحترامهِ لنفسهِ ولهم، من خلال ذاتهِ وأقتناعاتهِ الشخصية وليس بإجباره أو فرضها فرضًا أو من باب الواجب والمُجاملات.
ولكن كما نعلم ومثلما ذكرنا أعلاه، بأن هنالك نوع من التباين والاختلاف والتنوع بين البشر مما قد يؤدي بالنتيجة إلى نشوء خلافات بسبب الاختلاف في الطبائع والمصالح والأفكار والآراء، لكن المهم في هذا الخلاف أن لا يؤدي إلى غياب المحبة وقلة الأحترام ونوع من العلاقات المُعقدة، المُستديمة والمُتشابكة بينهم، لأنهُ لو تخيلنْا ذلك لأنعدمتْ الإنسانية وحلتْ المشاكل والفوضى في أيًا وكل مكان وبلا حدود!
فاحترام الآخرين يأتي أولاً من أحترام الإنسان لذاتهِ ولإنسانيتهِ منذ نشأتهِ الأولى وصدقهِ مع نفسهِ. فعندما يتعود أفراد الأسرة على أحترام بعضهم البعض، عندها نجد التطبيق الفعلي لاحترام الآخرين سواء كان في المدرسة أو الشارع أو الأماكن العامة وفي أي مرفق مهم في الحياة، لأنهم تعودا منذ صغرهم على أحترام والديهم وأخوتهم وأقربائهم وكبار السن في عائلاتهم، وهذا التصرف ينطبع في ذاكرتهم ويتطبعُّ في تصرفاتهم، ويُمارسونهُ مُستقبلاً مع الآخرين في حياتهم، وبذلك تتغير صورة الحياة لديهم منذ صغرهم ويطورونها ويعطونها الإطار الجميل الذي يشكلونهُ بأنفسهم من خلال سلوكهم المُهذب وتصرفهم السليم والإيجابي والمتوازن تجاه الآخرين.
الإحترام إذن إذا أردنا وصفهُ نقول بأنهُ قيمة معنوية وأخلاقية وأسلوب حضاري ومطلب وشعور ساميٍّ يتمنّى أن يتصف به كل إنسان لهُ ضمير ومبدأ وكلمة وقيم في حياتهِ ويُشار ويُقال لهُ:” هذا شخص مُحترم”، لأنهُ عرف قدر نفسهِ وإنسانهِ وإنسانيتهِ وقدرها وأعطاها الأحترام الذي تستحقهُ كنفس بشرية مُتمايزة ومُتواضعة ومُتوازنة نفسيًا. وبالنتيجة من خلالها سيتعامل مع الآخرين بنفس القدر والأحترام وتزيد ترابطهم وتمنع الأحتكاك في علاقاتهم.
وفي نهاية حديثنا نقول:
عندما تحرص وتنتبه على كل ما ينطق به لسانك وعلى كل فعل تفعلهُ أو تقدمهُ تجاه الآخرين أو الآخر، عندها تنال الاحترام والرضا من نفسكَ أولاً وبعدها من الآخرين، لأنك عرفت قدر نفسك. ولأن هؤلاء يراقبون ويدققون في سلوكك وكلامك وفعلك وممارساتك، فعندما لا تنطبق أقوالك مع أفعالك ومع شخصك كإنسان، عندها يُفقد الثقة بك ويقل الاحترام وتكون أنتَ نفسكَ كمثل من أنقسم على نفسهِ وعاش بشخصيتين مزدوجتين.
فليكن إذن لكل إنسان شخصهُ وشخصيتهِ التي يحترمها ويصونها ويطورها ويُقيمها من خلال تقييمهُ لجميع أفعالهِ وأقوالهِ وتصرفاتهِ من خلال ذاته أولاً ومن خلال الآخرين ثانيًا، ليُدرك بعدها قيمة وقدرة الخالق في خلقهِ، وعندها أيضا يُدرك قيمة نفسهِ ويعطيها الاحترام الذي تستحقهُ. وأحرص دائمًا أن تترك انطباعًا وأثرًا أفضل وأجمل يُجمل صورتك مقابل الآخر فيحترمك من خلالهِ، لأن كل إنسان بطبعهِ فنان يحمل ريشتهِ الخاصة بيدهِ وفكرهِ وأعمالهِ، ليجمل لوحتهِ بطريقتهِ وكيفما شاءَ وأرادَ.