الشاعر رمزي عقراوي
من كوردستان — العراق
احببت هذا العام(2015) و بمناسبة الذكرى السادسة بعد المئة لميلاد الشاعر العبقري الفذ ابو القاسم الشابي ان اقدمه الى كافة القراء الناطقين بالعربية(( وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية)) كعلم من اعلام النهضة الانسانية الحديثة في تونس الخضراء فهو الشاعر المجدد والكاتب الثائر على كل عتيق لاينفع وقديم لايفيد فحديثي عنه اذن- حديث امرئ شغف وتأثر كثيرا بشعره (منذ مقتبل العمر) وبهذه الحياة الرائعة المثلى التي عاشها مبدع هذا الشعر الرقيق
00 ان الشابي كان نسيجا من العبقرية المتميزة وحده، ومجددا عصريا بكل مافي هذه الكلمة من معان ومفاهيم وعندي انه ليس مجددا فحسب بل زعيما جريئا بين المجددين وقد تحقق ذلك يوم اتيح للقراء وللادباء منهم بوجه خاص الاطلاع على كل ما خلفه الشابي من شعر و نثر ، وهكذا فقد احتل مكانته الرفيعة لابين شعراء العربية وحدهم بل بين الشعراء العالميين ايضا!
00وها فلقد راينا اليوم الذي ((أصبح شعره الخالد المبدع الحي دستورا نابضا بالحياة للربيع العربي وفي العالم العربي نفسه)) وقد ترجم شعر الشابي الى الكثير من اللغات العالمية الحية كالفرنسية والايطالية و الانكليزية وغيرها . وقد اعجب ادباء هذه اللغات وشعرائها اعجابا بالغا بها ، لاسيما حين علموا بان شاعرها عربي خالص في لغته و ثقافته فهو لم يعرف في حياته لغة اجنبية واحدة وبذلك فقد بعد عنه الطابع الغربي المباشر و اخلص للغته العربية اخلاصا جعله يتفانى في بناء مجدها الادبي الرفيع !
00وقد عرف السيد زين العابدين السنوسي القراء في المغرب بالشابي وادبه في بداياته ونشر في كتابه (الادب التونسي في القرن الرابع عشر) مختارات من شعر الشابي وهو بعد لم يبلغ العشرين من عمره كما تولى نشر كتابه الرائع (الخيال الشعري عند العرب) في الذكرى الاربعين لوفاة الشاعر الشابي وكذلك نشر دراسات مقارنة بينه وبين بعض الشعراء الغربيين …
00كما ان مواطنه الاستاذ ابو القاسم محمد كرو قد الف سلسلة من الكتب و الدراسات الحية عن ادب الشابي وحياته واثاره وعصره حيث عرض عيون المقالات و البحوث التي كتبها اشهر الادباء والنقاد العرب عن شاعرنا الخالد ابو القاسم الشابي .
00 لم يكن الشابي شاعرا معروفا ومحبوبا لدى القراء العرب فحسب بل كان الشاعر المفضل لدى الكثير من الشعراء والكتاب والنقاد في جميع البلدان العربية، ولنا في هذا المقام قصيدة مستوحاة من وحي طيف الشاعر العبقري ابو القاسم الشابي بعنوان (طيف الحبيب) لم تنشر سابقا نقتطع منها هذه الابيات :
انا كالطير الذي يغرد تراتيل النحيب
في سماء الكون الكئيب …
ثم يتلو عند الفجر الضحوك بخشوع مهيب !
من يسمع الاحزان تبكي؟!
لست ادري؟!
اترى مات الاحساس والشعور؟َ!
حتى في حشاشات اعشاش الطيور؟!
انادي ….يا فؤادي…اين الحبيب ؟َ!
امات من تهوى و تعشق؟!
وهذا القبر قد ضم الحب الكئيب؟!
===============
((خلاصة الشاعرية التونسية))
وقد كتب الشاعر المصري فاروق شوشة في احدى مقالاته المنشورة في مجلة العربي الكويتية قائلا:
كثيرا ما يتاح لشاعرية شاعر فرد ، ان تكون استيعابا وتركيزا لشاعرية بلد باسره وكما كان ابو القاسم الشابي تلخيصا رائعا للشاعرية التونسية في زمانه ولعله لايزال حتى اليوم صاحب الاسم و التاثير اللذين يسبقان في مجال الالتفات و التامل كلما ذكرت شاعرية تونس ، و لايزال يحتل صدارة المشهد الشعري التونسي بالرغم من تتابع الاجيال من بعده وتدفق مياه مغايرة في نهر الشعرالعربي والطريف في امر شاعر السودان الدجاني يوسف بشير وامر الشابي انهما قد رحلا عن خمسة وعشرين سنة فهما امتداد لكوكبة الشعراء الكبار الراحلين في ربيع العمر الذين على رأسهم طرفة بن العبد صاحب المعلقة المشهورة في الشعر الجاهلي.
00لقد حاول شاعر الكويت الاستاذ فاضل خلف ان يلخص مئوية الشاعر الشابي في قصيدة شعرية رائعة، نشرها على صفحات مجلة العربي القيمة نقتطف منها هذه الابيات الشيقة :
شاعر اشعل العلى مصباحه فهو زاه بهالة لماحه
هالة في فم الدهور ستبقى مصدرا للضياء تحمي جناحه
سبق العصر وانبرى يتغنى بهوى الكائنات في كل ساحه
وجمال الوجود في اصغريه دائم النبض عاشق ارواحه
واغاني الحياة كانت لديه عشق المبتغى وكانت سلاحه
هي روح الحياة في كل ان وهي للعاشقين اجمل واحه
مائة من سني الزمان تقضت وهو يجني على العصور نجاحه
حياة الشاعرالشابي :
==============
هو من ابناء القرن العشرين الذين نشأوا بين الحربين العالميتين الاولى والثانية حيث ولد بتاريخ 4/2/1909 ايام كان العالم العربي يتعثر بين حاضره الاليم وماضيه القريب المنقوص ، ودعاة الاصلاح وانصار التجديد في تلك الفترة الانتقالية انما يلقون جحودا واذى لاتزيدها سيطرة الغرب على الشرق وشموخه بحضارته و وثوقه بمصيره الا احتداما وسطوة لدى فريق واسع من الخاصه والعامة على السواء. بيد ان الشاعر الشابي لم يتردد كثيرا حتى عرف سربه فانضم اليه ثم صدح محلقا الى ان اختطفته يد المنون وهو في ريعان الشباب الغض كان ذلك في فجر يوم الثلاثاء التاسع من تشرين الاول(اكتوبر) سنة 1934 ثم نقل جثمانه الى بلدة (توزر) حيث ضريحه!
وبموته خسرت الاداب العربية المعاصرة اعظم خسارة اصيبت بها في تاريخها الحديث ونهضتها الماثلة!
000ان حياة الشابي حياة مليئة بالشقاء و الالم عامرة بالاحزان والاتراح، طافحة بالحرمان والتعاسة مغمورة بالكأبة و الاسى ، ولسنا نعرف شاعرا في مثل بيئة الشابي واجوائه تجمعت عليه مثل هذه من ضروب العذاب والوان القهر ففجرت فؤاده بالاغاني و الهبت قلبه بالحب وقادته الى حياة صوفية سامية تميزت بتبرمه العنيف و ثورته الجارفة وليس من شك في ان للبيئة اثرا كبيرا و واضحا في حياة الشعراء واثارهم وان للمحن والاحداث التي تغمر حياتهم وتحيط بهم عملا هائلا شديدا في طبعهم بطابع خاص.
00كتب عنه شقيقه محمد الامين الشابي لدى تصديه لترجمة حياة الشاعر الشابي:
(نحيف الجسم ، مديد القامة، قوي البديهة، سريع الانفعال ،حاد الذهن، تكفكف رقة طبعه من فرط عاطفته وحدة ذهن يراه اصدقاءه ، بشوشا ، كريما ، وديعا، متأنقا، طروبا لمجالس الادب، يحب الفكاهة الادبية، ويراه من لم يخالطه حييا محتشما ويعرف من هؤلاء واولئك صراحة حازمة قوية يبديها لخاصة خلطائه في غير ماتحرج متى اجتمع بهم ويجاهر بها العموم في شعره ونثره، وكان محبا لبلاده صادق الوطنية يؤمن بانه لقادة الفكر رساله انسانية سليمة حاول جهده ان يحققها في اثناء حياته القصيرة قولا وعملا ).
00وقد ابن في ذكراه الاربعينية المرحوم الطاهر صفر احد قادة الحركة الوطنية الممتازين اذ ذاك بما خلاصته ( تكلم الاستاذ صفر نيابة عن قدماء الصادقيه على شاعرنا الفقيد فاكبر روحه الادبية ونبوغه الشعري واشارالى الناحية الوطنية والاحساس الفياض الذي كان الشاعر يفيض به عن امال بلاده والامها ، وقد ذكر الخطيب انه اجتمع مع فقيدنا الشابي في بلدة طبرقة حينما كان الشاعر في حال شديدة من الالم وقد دار ذلك الحديث بين الشاعر والزعيم في الوطنية عما يؤمله للشعب التونسي من التقدم ارثى الشاعر لحال الشعب الان وقد عبر عن ذلك في قطعة شعرية وطنية نشرتها جريدة العمل بالعدد(22).
00كانت ولادة الشابي ببلدة (الشابيه) احدى ضواحى مدينة (توزر) وهي بلاد جميلة فاتنة لما حوته من مناظر طبيعية رائعة فهى واقعه بين بساتين البرتقال و وسط واحات شاسعة من شجر النخيل ومن حواليها عيون ذات ماء زاخر عذب والى الجنوب الغربي من ذلك تمتد الصحراء ذات الرمال الذهبية الحمراء ومن الجنوب الشرقي فالغربي يبدو شط الجريد بمائه الهادئ العميق فيتراءى للناظر كبحيرة حالمة بامال الاجيال واحداث السنين في هذه المنطقة
من الارض التونسية الخضراء الساحرة والتي كان لها (لجمالها وفتنتها) اثر بعيد المدى في شاعرية ابي القاسم و التي حدثنا عنها الشاعر بشوق بالغ وحنين فياض في قصيدته (الجنة الضائعة) في هذه المنطقة نشا الشابي وترعرع ومنها انتقل مع والده بعد ذلك الى مدن كثيرة من القطر التونسي مرافقا لابيه فان اثارها بقيت حية في نفسه الحساسة يتغنى بها في اشعاره وقصائده!
(((دراسته))):
ولقد حقق الشابي حرص والده فما ان بلغ التاسعه من عمره حتى كان قد اتم حفظ القران الكريم بكامله حفظا تاما، فدل ذلك على نبوغ كامن وعبقرية توشك ان تبهر الناس باضوائها ثم اخذ والده يعلمه بنفسه اصول العربية ومبادئ العلوم الاخرى حتى بلغ الحادية عشر وفي خلال هاتين السنتين طالع شاعرنا شيئا ليس باليسير من الكتب الدينية و الصوفية والادبية القديمة المملوءة بها مكتبة والده وهي اهم ما تحويه مكتبة رجل متدين صوفي النزعة .
وفي 11/10/1920 وهو بعد في بداية الثانية عشرة من عمره ارسله والده الى العاصمة التونسية حيث تم التحاقه بالكلية الزيتونية حتى تخرج منها سنة 1928 حاصلا على شهادة (التطويع) وهي ارفع شهاداتها الممنوحة في ذلك الوقت !
والتحاق الشابي بالزيتونية و في العاصمة كانت نقطة تحول هامة في حياته وليس ذلك لان تعليم الزيتونية يومئذ كان تعليما عصريا بكل معنى الكلمة ، وانما لهذا الجو الجديد من الحياة الذي انتقل اليه الشابي فوجد فيه الكثير من الحرية والانطلاق و الكثير من النشاط الادبي والثقافي مما لم يكن من قبل متمتعا بشئ منها وبذلك تحرر من كل قيد كان يرزح به وكل رقابة كانت تسيطر عليه فمضى يستغل ذلك الى ابعد الحدود الممكنة فانهال اول الامر على كتب المهجريين (كجبران و نعيمه و ابي ماضى و لجهل الشابي باللغات الاجنبية فقد قرأ ما ترجم من كتب الاداب الغربية حتى استوعب تاريخها وفنونها وجميع اطوارها وكان يعيد باستمرار قراءة كتب(لامارتين) و (جوتة) ويعجب بهما اعجابه بالمعري و ابن الفارض والى جانب ذلك كله كان يتابع قراءة جميع المجلات الصادرة في ذلك الزمن كالهلال و المقتطف والسياسة الاسبوعية والبلاغ وغيرها.
وعلى اثر تخرجه من الزيتونية عام 1928 التحق بمدرسة الحقوق التونسية فتخرج منها سنة 1930 وخلال السنوات الثلاث الاخيرة من دراسته بذل الشابي نشاطا ادبيا و اجتماعيا واسعا فقاد حركة طلاب الزيتونية التي كانت تهدف الى اصلاح مناهج التعليم والادارة في الكلية وتزعم اضرابهم عن الدروس وترأس لجنتهم وسير اعمالها بوطنية اعجب بها الجميع ، ويعود له فضل كبير في تأسيس جمعية (الشبان المسلمين) التي كانت من الجمعيات التونسية الكبيرة ذات المشاريع الثقافية و الاجتماعية النافعه كما ساهم في تاسيس (النادي الادبي) بتونس العاصمة و(نادي الطلاب) ب(توزر) وكان من ابرز اعضائها حيوية و نشاطا.
(((والده : )))
كانت ولادة الشيخ محمد الشابي والد الشاعر حوالي عام 1879 وبعد تحصيله العلمي في مسقط راسه هاجر الى مصر سنة1901 حيث درس بالازهر مدة سبع سنوات وتتلمذ على يد الشيخ الامام محمد عبده فتشرب مبادئ الاصلاح منه وتاثر بواسطته بافكاره المصلح محمد جمال الدين الافغاني.
وفي عام 1908 عاد الى تونس حيث انتسب الى الكلية الزيتونية فنال شهادة (التطويع) عام 1910.
ولم يمض عام واحد على ولادة ابي القاسم حتى تخرج الوالد من جامع الزيتونية وسمي في نفس العام قاضيا شرعيا ببلدة (سليانة) ثم نقل الى مدينة (قفصة) ومن ثم الى (قابس) ومنها الى (تاله) ومنها نقل الى (مجاز الباب) حيث مكث فترة طويلة نسبيا بلغت حوالي ست سنوات ومن مجاز الباب الى بلدة (رأس الجبل) واخيرا انتهى الى مدينة زغوان الجبلية الجميلة عام 1927 حيث انتقلت روح الوالد الى السماء في الثامن من ايلول (سبتمبر) عام 1929.
ولاشك ان الشابي كان يرافق والده في جميع تنقلاته ولم يكن يغيب عن والديه الا اثناء شهور الدراسة من كل عام ابتداءا من عام 1920.
وكان الوالد اثناء حياته الادارية يقضي يومه بين المحكمة والمسجد والمنزل حيث يتبسط مع اهله ولقد نشأ ابو القاسم في سني تكوينه الفكري والخلقي في كنف رعايته الصالحة يقتبس من علمه وادابه وكان الوالد صادق النفس قوي العقيدة لايخشى في الحق لومة لائم له غيرة على شوؤن الاسلام والمسلمين ينفعل لما يجري انذاك من احداث سواء بالشرق العربي او غربه.
ومضى الشابي يجالد الحياة ويحنو على اسرة كبيرة لئن كان لها دخل يضمن لها العيش في هدوء فانها لمحتاجة –على كل حال- لمن يرعاها ويدير شوؤنها واملاكها الموزعه بين جهات عديدة وان كانت محدودة.
000ورغم ماكانت تدره املاك الاسرة لم يكن يضمن لها اكثر من حياة الكفاف فان الشاعر ضنا بحرية الاديب –لم يلج باب الارتزاق من المناصب الحكومية ورضي بحياة بسيطة على رأس اسرته بتوزر حيث تزوج ولعل هذا ماعناه بعضهم حين قال: كنا نرى في نفسه الزكية مثال القناعة في افضل الوانها والطموح على خير وجوهه وقد وصف لنا الشابي حياته مع اسرته ورعايته لاخوته واعباء الحياة التي حملها بعد وفاة ابيه في قصيدة نشرت لاول مرة عام 1955 تحت عنوان (قيود الاحلام) ناخذ منها هذه الابيات:
واود ان احيا بفكرة شاعر فارى الوجود يضيق عن احلامي
الا اذا قطعت اسبابي مع الدنيا وعشت بوحدتي وظلامي
واعيش عيشة زاهد متنسك ما ان تدنسه الحياة بذام
هجر الجماعة للجبال تورعا عنها وعن بطش الحياة الدامي
لكنني لااستطيع فان لي اما يصد حنانها اوهامي
وصغار اخوان يرون سلامهم في الكائنات معلقا بسلامي
فقدوا الاب الحاني فكنت لضعفهم كهفا يصد غوائل الايام
الويل للدنيا التي في شرعها فأس الطعام كريشة الرسام
ولم يطل سخط الشاعر كثيرا فقد اقدم على الزواج : الذي كانت خطوبته قد تمت في حياة الوالد وباشارة منه : فكانت حياة جديدة باسمة وعالما زاخرا بالافراح والاضواء والالحان كاد الشابي ينسى في غمراتها الحياة ويالف المرح والسرور بدل الالام والاحزان :
ماكنت احسب بعد موتك ياابي ومشاعري عمياء بالاحزان
اني ساظمأ للحياة واحتسي من كأسها المتوهج النشوان
واعود للدنيا بقلب خافق للحب والافراح والالحان
حتى تحركت السنون واقبلت فتن الحياة بسحرها الفتان
فاذا انا طفل الحياة المنتشي شوقا الى الاضواء والالوان
واذا التشاؤم بالحياة ورفضها ضرب من البهتان والهذيان
ان ابن ادم في قرارة نفسه عبدالحياة الصادق الايمان
ولم تدم طويلا عبودية الشاعر للحياة وافراحها فان المرض الذي عرف بتضخم القلب مالبث ان عاود زحفه على قلبه الكبير وطفق ينغص عليه ايامه ولياليه. ولايتركه المرض اياما الا ليعود اشد واقوى مما كان حتى اودى به في ريعان الصبا وربيع الشباب بعد ان اخلف من بعده طفلين هما اليوم من خيرة ما انجبته تونس الخضراء احدهما (جلال) مهندس والثاني(محمد) وهو الاكبر ضابط بالجيش التونسي.
( مؤلفات الشابي ) :-
==========
يقول الاديب التونسي الاستاذ ابو القاسم محمد كرو في احدى مؤلفاته عن الشابي (كثيرا ما كتب الكتاب و تحدث الادباء وحاضر الخطباء عن ابي القاسم الشابي ولكن ظل مع ذلك يكتنفه الغموض و يحيط به الابهام ولم يعرف الناس –والادباء منهم خاصه- حتى الان الا الجزء القليل من حياته وادبه وبقى ماسوى ذلك –وهو الكثير الاهم- مغمورا عند اقارب الشابي و اصدقائه حتى اليوم .
ولسنا نعرف شاعرا معاصرا نكب بما نكب به الشابي في حياته وبعد موته دون ان تتحرك يد واحدة لخدمة هذا الشاعر العبقري الفذ هذا الذي خلف لنا تراثا ادبيا ضخما ومدرسة ثائرة في الشعر العربي الحديث وذلك رغم ان عمره الزاخر بالانتاج والابداع لم يتجاوز عمر زهرة في مطلع الربيع اذ مات وعمره ربع قرن من الزمن هذه المدة اليسيرة التي لاتتيح للانسان ان يستكمل خلالها شروط الثقافة والتعلم المنتج فضلا عن الابداع والابتكار اللذين يتسم بهما كل ما صاغته قريحة فقيدنا او عبرت عنه شاعريته النابغة .
وادناه بعض الاثار الادبية المختلفة التي بقيت لنا بعد وفاته :
================================
1=(الخيال الشعري عند العرب) وقد اثارت اراؤه الجريئة في هذا الكتاب زوبعة من النقد والخصومة الادبية في الصحف والمجلات التونسية والعربية . اهمها مجلة (ابولو) المصرية . طبع هذا الكتاب سنة 1929 واعيد طبعه عام 1961 والكتاب مفقود اليوم في المكتبات ولعل الجيل الحاضر لم يعرف من الكتاب الا اسمه وحين يقع بين يديك هذا الكتاب ستجد انه من الحجم الصغير وانه ذو 141 صفحة قياس 13*18سم وقد تولت نشره حينذاك (دار العرب) للطبع والنشر في تونس لصاحبها الاستاذ زين العابدين السنوسي وهو الذي كتب مقدمة الكتاب الذي من حيث تبويبه يحتوي على كلمة المؤلف ومقدمة الناشر وسبعة فصول هي : 1- الخيال واقسامه 2- الخيال الشعري والاساطير العربية3- الخيال الشعري والطبيعة 4- الخيال الشعري والمرأة 5- الخيال الشعري و القصة6- فكرة عامة عن الادب العربي 7-الروح العربية واما من حيث موضوعه فهو دراسة نقدية مقارنة بين الخيال الشعري عند العرب وعند الاوروبيين.
2=اغاني الحياة / اعتزم الشاعر نشر شعره منذ سنة 1929 فعندما نشر كتابه (الخيال الشعري عند العرب) علق في صفحة غلافه الاخيرة عن قرب صدور ديوانه (اغاني الحياة) والذي يبدو ان الشاعر لم يتيسر له نشر ديوانه لاسباب قد تكون مادية بحتة وقد لاتكون ،على اننا نجد بعد ذلك باربع سنوات اعلانات متتاليه عن قرب صدور الديوان في مجلة ابولو المصرية و مجلة العالم الادبي التونسية وقد فتح باب الاشتراك في
الديوان امام القراء مما يدل على ان حالة الشاعر المادية كانت لاتكفي وحدها لطبع الديوان.
وكان الشاعر الشابي قد اختار لديوانه عنوان( اغاني الحياة ) واعتزم طبعه في مصر تحت اشراف وبتقديم صديقه الدكتور احمد زكي ابي شادي ولكن الموت عاجله قبيل تحقيق امنيته بساعات معدودات، فقد قيل ان الشاعر الشابي كان ينوي ارسال مخطوطة الديوان بالبريد صبيحة اليوم الذي توفي فيه ومنذ ان مات الشابي والقراء عامة والادباء خاصه يترقبون صدور الديوان بفارغ الصبر عام 1934 ولكن الديوان لم يظهر الا في عام 1955 أي بعد واحد وعشرين سنة ! وعندما ظهر الديوان لاحظ اصدقاء الشابي و المتفرغون لبحث ادبه وحياته انه جاء خاليا من جميع المميزات الضرورية لطبع أي ديوان فضلا عن ميزات اخرى كانت موجودة في مخطوطة الديوان فاستبعدت لاسباب كانت مجهولة َ!
3=في المقبرة – رواية بين مخلفات الشابي عند شقيقه ، وقد تحدث عنها الاستاذ زين العابدين السنوسي في كتابه (الادب التونسي في القرن الرابع عشر الهجري) عن ترجمة لحياة الشاعر الشابي فقال( والشابي كثير المطالعة حاد الذهن وله باع طويل في النثر الشعري قرأنا له رواية حسنة بديعه ناهيك انها من نوع –الاعترافات- يقص فيها على لسان بطلها حوادثه وتاثيراته النفسية وهو نوع عزيز حتى عند الامم المتحضرة في نفسها الروح الروائية لما يستوجبه من تقمص اشخاص الرواية في قلم الكاتب الذي يضطر الى وصف انفعالاتهم واضطرابهم النفسي الِشاذ خصوصا وعلم النفس لم يصبح عالما معلوما مضبوطا !
4=السكير – مسرحية ذات فصلين من نوع الاعترافات وهي اصعب انواع التاليف كما هو معروف عند كتاب المسرح وقال الاستاذ محمد بورقعه اعرف ان هذه المسرحية عند ابي القاسم الشابي وكان كثيرالاعجاب بها قرأها علي مرارا وتكرارا ولعلها تكون باقية في اثاره .
5=مقالات مختلفة- وللشابي فضلا عن ذلك كله مجموعة كبيرة من المقالات و الدراسات المختلفة تناول فيها شوؤن الادب العربي قديمه وحديثه على حد سواء وقد نشر بعضا منها في حياته ولايزال بعضها الاخر مغمورا في احضان الاهمال و التقصير.
6=الهجرة المحمدية / وهذه محاضرة القاها الشاعر في (نادي الطلاب بتوزر) بمناسبة ذكرى الهجرة المحمدية في سنة 1351هـ وقد نشرها تباعا في مجلة العالم التونسية لصاحبها الشاعر المرحوم سعيد ابي بكر بداية العدد 6 السنة الثانية في 1/6/1932.
7=جميل بثينة / محاضرة كان ينوي القائها في (النادي الادبي) غير ان المرض حال بينه وبين مايريد وهي موجودة بين مخلفاته عند شقيقه الاستاذ الامين الشابي
8=يوميات الشابي / وهي مجموعة من المذكرات اليومية التي سجل فيها الشاعر اراءه وخواطره في شوؤن حياته المختلفة وهي موجودة عند صديقه الاستاذ ابراهيم بورقعه المحامي بمدينة صفاقس وقد تم نشرها كاملة سنة 1966
9=شعر المغرب الاقصى / في سنة 1929 ظهر في المغرب كتاب الادب العربي في المغرب الاقصى وقد تناول فيه مؤلفه الاستاذ محمد بن العباسى القباج(طائفة من شعراء مراكش المعاصرين بالترجمة والتعريف وكان الجزء الثاني منه خاصا بالشعراء الشباب وقد تناول الشابي الجزء الاخير بالنقد والتحليل واعد من ذلك دراسة مستفيضة لتلقى كمحاضرة في النادي الادبي غير ان احدا لم يحضر لسماعها من اعضاء النادي سوى اثنين ذهبا معه ! وقد سجل الشابي هذا الحادث في يومياته دون ان يعلق عليه بشئ حيث جاء فيها بتاريخ 13/1/1930 قوله :
(ذهبت انا والاخ زين الدين والاخ مصطفى خريف مساء اليوم الى النادي الادبي لالقاء محاضرتي عن كتاب (الادب العربي في المغرب الاقصى) الذي طلب مني النادي الادبي ان ابسط لهم رأيي فيه ولكننا لم نجد احدا هناك!) وايا كانت الاسباب فانه مثل هذه الحال لما يحز في النفس البشرية ويعتصر حتى قلب الشاعر المرهف الحساس وهذا هو الجحود والاهمال الذي يقابل به الشابي واغلب الظن ان لأراءه الجريئة التي اعلنها في كتابه (الخيال الشعري عند العرب) اثر في ذلك !
10=رسائل الشابي / مجموعة كبيرة من الرسائل الادبية القيمة تبادلها الشاعر مع كثير من ادباء مصر وتونس و سورية منها رسائله حول القصة في الشعر العربي وقد راسل بها الشاعر الدكتور علي الناصر بحلب ، ورسائل اخرى كاتب بها كل من الدكتورين الشاعرين ابراهيم ناجي و احمد زكي ابو شادي صاحب مجلة ابولو المصرية واخرى كاتب بها كلا من الشعراء محمد الحلبي ومصطفى خريف والمرحوم محمد البشروش بتونس و – اخيرا- قد اتخذ المصلحون الاخيار في كل زمان ومكان كل في (حقله الخاص) سبيل التجديد واستعملوا اساليب فنية مستخدمة لاعهد لنا بقيم بمثلها فيها القوة والايمان والحيوية والعزم والثبات والمجد والتضحية والفداء وان أي عمل مقدس جليل من اعمال البشرية كان خاليا من واحد تلك المثل جميعا لمحكوم عليه سلفا بالفشل والاندحار!
000 وما كان طريق المجد – في يوم من ايام التاريخ – مفروشا بالازهار والورود ولاكان للانسانية في تاريخها الطويل ان تخطوا الى الامام شبرا واحدا دون الام وتضحيات جسام وها هي تلك الجهود الرائعه التي بذلها الشابي في حياته وبذرها رفاقه (من جند الطليعه) في مناحي الحياة الاخرى وسقوها بدمائهم وتضحياتهم هاهي اليوم هذه ظلالها الوارفة على حياة الشعب المغاربي خصوصا والشرقي عموما وتخلق منه قوة جبارة واعية تعمل باخلاص في كل حقول الحياة وتشيد بالمجتمع الجديد المنتظر!
**- شاعر و صحفي من كوردستان العراق-**