لا تدع العقلية التي تعمل وتتعامل
بها السياسه الإيرانية مع الجوار ودول العالم مجالا للشك في إتهامها بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، وتفجير المطعم الذي يرتاده بمن فيه، وهذا يعني إسقاط كل الأقنعة التي كان النظام الإيراني يرتديها متوهما بالتخفي خلفها مطمئناً آمناً. وانكشفت حقيقة ما يسمى بمؤتمرات مكافحة الإرهاب المضللة التي طبّل وزمر لها النظام الإيراني والذي كان آخرها المؤتمر الذي عقد بتاريخ 25 يونيو/حزيران من هذا العاموتحت شعار (العالم دون إرهاب) .
حاولت إيران جاهدةً استخدام (التقية) في سياستها الجديدة (تصدير الإرهاب) وخططت لأن تُبقي ما تقوم به من محاولاتٍ لاغتيالاتٍ وتصفياتٍ سواء للسفير السعودي أو غيره، وسواء في دول العالم النائية أو دول الجوار الإيراني، مبهمةً ومتشابكة الخيوط والخطوط ولترمى كالعادة على الشماعة الأسهل وصولاً ومنالاً وهي (تنظيم القاعدة) الذي بات أسهل هدفاً ومرمىً لمن يريد التخفي والاختفاء بجرائمه خلف هذه اللافتة كالنظام الإيراني، أو لمن يريد مداراة إخفاقه وفشله الأمني وما يجري فيه من ويلات كالعراق, وهذا لا يعني دفاعاً عن القاعدة (كتنظيمٍ أو سلوكٍ) .
لقد أثبتت إيران وبشكلٍ جليٍ لا يساوره أي شكٍ خلال الفترة الخمينية وما تلاها بأنها المنبع والمصب للإرهاب السياسي والفكري بكل أنواعه ومشاربه وأن النظام الإيراني لن يتوانى أو يتردد من القيام بأية جريمةٍ صغرت أم كبرت من أجل تحقيق الأهداف والمآرب التي يريد الوصول إليها وتحقيقها, وكل هذا وغيره يأتي تحت عناوين ومسميات الإسلام وتعاليم الدين الحنيف وحب آل البيت (رضوان ربي عليهم) زوراً وبهتاناً , ولا نذهب بعيداً للبحث عن دليلٍ ليؤيد ما ذهبنا إليه , حيث أن ما قاله (أزغندي) وهو أحد منظري النظام الإيراني ومن المقربين جداً له في كلمةٍ علنية ٍ لم يخفها أو يخاف نتائجها خلال شهر رمضان المبارك الماضي (أغسطس/ آب 2011) وأمام جمع ممن يسمون بـ (مقاتلي الدفاع المقدس) ما نصه :
(كما كانت الأولوية العملياتية تتوجه في وقت سابق إلى جبهات الغرب والجنوب , فعلى القوى أن تستعد اليوم لتتوجه إلى شمال أفريقيا وشرق آسيا وقلب أوروبا . علينا أن نستعد لتنفيذ عمليات عالمية, إن شبابنا متواجدون في قارات العالم الخمس, وهم يقاتلون في كل مكان ضد الاستكبار …. يجب إثارة جهاد أممي بدون خوفٍ من أي شخصٍ) .
هذا تصريحه نصا وروحا … واضحٌ صريحٌ .. لا يحتاح الى تفسيرٍ أو تعليقٍ .
اختط النظام الإيراني الذي جيء به بعد إسقاط الشاه طريق الإرهاب وتصديره كفكرٍ وسلوكٍ هدفاً استراتيجياً ثابتاً لا رجعة عنه ولم يحصر هذه الاستراتيجية في حقبةٍ زمنيةٍ معينةٍ أو بسقفٍ تكتيكيٍ لا يتجاوز فترة تثبيت أقدام النظام …لا بل سعى حثيثاً إلى تثبيت هذه الاستراتيجية من خلال خلق مجاميعٍ منظمةٍ يتم تأهيلها وحشدها لتكون امتداداً لهذا الفكر والسلوك واستمراريةً لهذا النهج .
لقد سلك النظام الإيراني عدة سبلٍ لتحقيق هذه الاستراتيجية في سياسته معتمداً على نظام سياسة
(الخطوة خطوة) سيئة الصيت و ذلك من خلال مايلي :
1- اتباع نظام التدرج في طرح الأهداف والشعارات
بدأ النظام الإيراني بشعاراته التي تشكل مقدماتٍ لأهدافه بشكلٍ متسلسلٍ ومتدرجٍ مبتدئاً بشعار تصدير الثورة و تحرير القدس, ولكن لا يكون هذا التحرير إلا عبر كربلاء المدينة الدينية العراقية … فالتحرش عسكرياً بالحدود والقصبات والمدن العراقية ثم شن حربه العدوانية الشاملة التي يعلم القاصي والداني كيف تعمد إلى ديمومة إيقاد أوراها لثمانٍ عجافٍ رغم كل الدعوات لإيقافها وحقن الدماء ولم يوقفها لولا كأس السم الزعاف الذي تجرعه مرغماً لا عن طيب خاطر .
ويمكن اعتبار الخراب الأساسي والأهم الذي ألحقه هذا النظام بالعراق بعد الاحتلال الأميركي الذي ما كان ليرى النور لولا المساعدة الإيرانية السخية له … هذا الخراب الذي قامت به إيران بشكل تدخلٍ مباشرٍ أو من خلال أذرعها ممن يحمل الجنسية العراقية هو التجسيد الأوضح والأهم لشعارها آنف الذكر .
أما الإعتداءات على أقطار الخليج العربي وتحت ذات البند والحجج والشعارات الواهية ويضاف لها ما أسمته (بالأحقّية) أي الادعاء … بكونها (أقطار الخليج العربي) جزءً لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية … فهو حديث لا نهاية له… وكان التدخلُ العلنيُّ المباشرُ في أحداث البحرين والسعودية مؤخراً والإصرار على تغذية هذه الأحداث بشكل لم تسجل له سابقة في العلاقات الدولية المتعارف عليها المؤشرَ لمواصلة الشعارات وتجسيدها واقعاً .
2- استخدام الناس البسطاء في العمليات العدوانية الإرهابية
ليس منا من لا يذكر كيف كان النظام الإيراني يزج بعشرات الآلاف من الأطفال الأبرياء ممن لم يتجاوزوا العقد الأول من السنين خلال الحرب العراقية- الإيرانية ليكونوا وقوداً للنيران ودروعاً يطفيء بها حقول الألغام, وكيف استخدم مفاتيح الجنان للبسطاء من الناس, وكيف كان يوزع عليهم خرقا من قماشٍ بالٍ ليتعرف عليهم ملك الموت ويفرزهم عن غيرهم ويفتح لهم أبواب الجنة مباشرة دون المرور بالحساب … ولله في خلقه شؤون .
ومع التطور التكنولوجي ونظام المعلوماتية العالمي المتسارع سعى النظام الإيراني كذلك لمواكبة هذا التقدم فبادر للسعي في ايجاد بدائل عن أساليبه القديمة وقام بتطويرها و عمد إلى استخدام أشخاصٍ (علمانيين) وغير إيرانيين في عملياته الإرهابية وذلك للتمويه عليهم وعلى نشاطاته الإرهابية, وما حدث مؤخراً في حادثة محاولة اغتيال السفير السعودي هو الدليل على ذلك .
3- المكارثية الدينية
ولاية الفقيه واستخدامها ضد الآخرين وتصفية كل معارضي النظام بحجة عدم ولائهم لهذه الولاية واعتراضهم عليها, هي المكارثية الدينية التي تمت بسببها تصفية كل الشخصيات السياسية والعسكرية وذات التأثير الإجتماعي المعارض للنظام وما طبق على الأشخاص ينعكس تماما على تنظيماتهم , ولا زالت العمليةُ مستمرةٌ… والانتخابات الأخيرة التي أيّدها وباركها الولي الفقيه خير برهان … فمعارضيها ومن أشار منهم للتزوير الذي حدث فيها كان من الخونة ومن الذين يخرجون على ولي الأمر ولم يلتزموا بأمر الولي الفقيه وطاعته !!! فالسجن والقبر أولى بهم .
لقد انعكست السياسة الارهابية الايرانية الداخلية على السياسة الخارجية بفعل الاراده والتصميم على تصدير هذا الارهاب خارجيا كونه يمثل سياسة واسترتيجية واحدة مرسومة ومخطط لها وما يجري من محاولات وإغراءات يقوم بها النظام الإيراني في أفريقيا حاليا (والتي سنأتي على تفصيلها في مقال لاحق إن شاء الله) ليس سوى بدايات لتجسيد هذه السياسة وإنعكاس لما يجري في الداخل .
الآن وبعد أن خابت آمالهم في تحقيق أهدافهم وبالشكل الذي رسموه (لأن التخبط والعشوائية بدت واضحةً في انتقاء الأهداف دون تمييز) قادهم هذا التخبط إلى ردودِ فعلٍ غير متوازنة قد تتمخض عن ولادة سياسة ٍرعناء تقود المنطقة إلى كارثةٍ غير محسوبةِ النهايات تكون عواقبها وخيمةً وكارثيةً على المنطقة برمتها .
فحرب السنوات الثمان التي فرضها هذا النظام على جارته العراق سوف لن تكون سوى نقطة في بحر مما ستقود العالم إليه سياسة تصدير الإرهاب التي يدعو ويخطط لها هذا النظام.