إيران وتركيا أبرز الخاسرين.. تعرف على خفايا اتفاق بغداد وأربيل بشأن سنجار
صلاح حسن بابان
تزداد الشكوك حول النقاط الخفية في اتفاقية تطبيع الأوضاع بقضاء سنجار في محافظة نينوى شمالي العراق ذي الغالبية الإيزيدية والواقع ضمن المادة 140 المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
وتنص الاتفاقية على إدارة الملف الأمني في القضاء من قبل الحكومة العراقية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق، على أن تتولى محافظة نينوى الجانب الخدمي فيها مع إعادة سكان القضاء من العرب والكرد والمكونات والطوائف الأخرى، فضلا عن إبعاد الجماعات المسلحة، وأبرزها الأذرع التابعة لحزب العمال الكردستاني وفصائل الحشد الشعبي.
البقاء أو القتال
ولم تغب الرعاية الدولية -حسب مراقبين- عن الاتفاقية لأهداف مخفية، وسط انقسام كردي حاد بشأن الاتفاقية، ورفض واسع من الفصائل والأطراف التابعة للحشد الشعبي الخروج من القضاء، معلنة أنها مستعدة لأي قتال أو معركة من أجل الدفاع عن سنجار وعدم السماح بعودة قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني إليها.
وما زال قضاء سنجار ساحة خصبة لتتقاسم فيه القوى السياسية المحلية والدولية كعكتها بعيدا عن مصلحة أهلها، وباتت أرض صراعات منذ العام 2014، رغم أنها منكوبة بالأساس لأنها منطقة إستراتيجية مهمة، وهي تقف على مثلث وشريط حدوديين يعتبران الأخطر في العالم.
وانقسم الإيزيديون بين مؤيد ومعارض لهذه الاتفاقية، مع تحفظ قسم آخر منهم على بعض نقاطها، في ظل غياب الموقف الإيزيدي المستقل، كما يقول الصحفي سامان داود، عازيا السبب إلى تحكم القوى السياسية المختلفة في الإرادة السياسية الإيزيدية.
وجاءت اتفاقية بغداد وأربيل بشأن سنجار تحت رعاية أميركا وفرنسا، فالأولى تهدف إلى قطع الطريق أمام ما يعرف بالهلال الشيعي الإيراني الذي يمر عبر سنجار إلى سوريا ولبنان، والثانية تهدف -حسب داود- إلى إيقاف التمدد التركي في العراق وخاصة أن أنقرة أعلنت مرات عدة أنها ستحارب حزب العمال الكردستاني في سنجار، وبات ذلك واضحا من خلال القصف التركي المستمر على مواقع عدة في جبل سنجار، في حين تهدف فرنسا إلى تأكيد أنها دولة عظمى تحمي الأقليات الدينية في المنطقة.
وستحقق هذه الاتفاقية -حسب داود- فائدة عظمى لأطراف محلية ودولية، ومنها ضمان إقليم كردستان العراق عودة نفوذه إلى هذه المناطق وبالتالي إحياء المادة 140 من الدستور العراقي، فضلا عن كسب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بهذه الاتفاقية الكرد حليفا إستراتيجيا مستقبليا في الانتخابات المبكرة المقبلة وسط أنباء عن دخوله بقائمة خاصة به.
وساهمت تركيا في إقرار هذه الاتفاقية التي تنص على إخراج العمال الكردستاني من سنجار، لكنها ستفقد، كما يقول داود للجزيرة نت، ذريعتها للتدخل العسكري مستقبلا، مستبعدا في الوقت ذاته إخراج حزب العمال الكردستاني والقوات التابعة له وغيرها من القضاء، ومنها وحدات مقاومة سنجار لأن أغلب المنتمين لها من الإيزيديين تم ضمهم إلى قوات الحشد الشعبي العراقي في نهاية 2017، وهذا يعني الدخول في مواجهة مباشرة مع الحشد الشعبي لغياب الحلول وآلية إخراج هؤلاء، متسائلا “هل أطراف الاتفاق قادرة على إخراج هذه القوات؟”.
رفض الوصاية
ويؤيد الناشط الإيزيدي الدكتور ميرزا دنايي رأي داود فيما يتعلق بالضغوط الأميركية والفرنسية والتركية على حكومتي بغداد وأربيل لإيجاد آلية لاحتواء وإنقاذ القضاء من واقعه المزري الموجود، مؤكدا أن هذه الاتفاقية ما كانت ترى النور لولا الجهود الدولية لا سيما بعد أن أصبح القضاء مسرحا دوليا، وهناك خشية من أن يصبح ساحة للصراعات الدولية على المنطقة.
وتساءل دنايي “لماذا لم تتفق بغداد وأربيل على أي بند من البنود المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بينهما والتي تبلغ 1050 كيلومترا باستثناء ما يخص سنجار؟ وهذا ما يؤكد الضغط والتدخل الدوليين”.
ويرفض الإيزيديون الوصاية من أي طرف، رغم أن الواقع السياسي لهم كأقلية في العراق يؤكد ضعفهم وحاجتهم -حسب دنايي- إلى دعم من كافة القوى الموجودة على الساحة سواء على مستوى الإقليم أو الحكومة العراقية، مؤكدا في حديثه للجزيرة نت رفض عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل 2014، داعيا بغداد وأربيل إلى ضرورة التفاهم بشأن جميع الملفات المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها لكونها مسألة دستورية.
ويرى دنايي أن روح هذه الاتفاقية تكمن في تطبيق الشخصيات التي تتولى إدارة الأمن والإعمار والخدمات لبنودها باستقلالية تامّة بحيث يحكمها الجانب المهني الموازن للظروف ولجميع الجهات دون أي تفرقة.
انقسام كردي
ويدعم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ثاني أكبر الأحزاب الكردية في الإقليم، أي خطوة تساهم في تطبيع العلاقات في المنطقة وعودة الاستقرار إليها لا سيما المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك ونينوى وديالى، إلا أنه انتقد الحزب الديمقراطي الكردستاني لإبرام اتفاقية سنجار من دون علمه، مؤكدا أنه شريك إستراتيجي لحزب البارزاني لكنه لم يطلعه أو يأخذ رأيه حول هذه الاتفاقية.
وشكك مسؤول إعلام مركز تنظيمات الحزب في محافظة نينوى غياث سورجي في الاتفاقية المبرمة، ويرى أن البارزاني سيستخدمها لصالح حزبه وللسيطرة على سكان القضاء في الانتخابات المقبلة مرة ثانية كما فعل قبل عام 2014، وذلك لتحقيق مكاسب ومصالح حزبية بعيدا عن المصالح القومية والوطنية للشعب الكردي.
ودعا سورجي في حديثه للجزيرة نت الحزب الديمقراطي إلى تطبيع الأوضاع بدءا من محافظة كركوك وليس سنجار النائية التي ما زال أكثر من 80% من سكانها نازحين ومهجرين في مخيمات النزوح.
بدوره علق الحزب الديمقراطي الكردستاني بأن المصالح الانتخابية للكاظمي وراء دعمه الاتفاقية، وقال إنه حليف إستراتيجي للكل، واصفا رئيس الوزراء العراقي بالمناضل القوي ويعمل من أجل معالجة الملفات الحساسة والمهمة وليس المتعلقة بسنجار فحسب، بل ملفات الفساد والانتخابات المبكرة وغيرها.
ويقول محما خليل قائممقام سنجار المُعيّن من قبل حكومة الإقليم والعضو البارز في حزب البارزاني، إن الاتفاق دستوري وقانوني وجاء تنفيذا للمطالب الشعبية المتكررة منذ سنوات، مؤكدا على ضرورة دعم القضاء ومساندته من جميع الأطراف لإنهاء السنوات العجاف التي مرّ بها وأدت إلى تغيير جغرافيته ودمار اقتصاده مع نزوح 80% من سكانه.
وانتقد خليل بعض الأطراف التي تحاول عرقلة تنفيذ اتفاقية التطبيع، متهما إياها بالاتجار بقضية سنجار وأهلها، وأنها ترغب في بقاء جهات غير شرعية لتفرض حكمها على أهالي القضاء بقوانين غير عراقية وفرض الإتاوات وبناء سجون سرية، داعيا لمعالجة جميع هذه المشاكل وفق المادة 110 من الدستور العراقي.
وفتحت الفصائل غير المنضبطة والفصائل المنضوية تحت راية العمال الكردستاني -حسب خليل- صراعات إقليمية وبوابة للتدخلات الإقليمية في سنجار، مؤكدا حاجة القضاء للتعايش السلمي ونزع السلاح وحصره بيد الدولة، وأن يكون القانون والدستور العراقيان هما السائدين والحاكمين.
رفض وجود البيشمركة
من جانبها وصفت الفصائل الإيزيدية المسلحة المنضوية تحت الحشد الشعبي الاتفاق بأنه يتناغم مع الرؤية الأميركية بعيدا عن المزاج العراقي، مؤكدة رفضها القاطع لعودة قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني إلى سنجار، متهمةً إياه بتسليم القضاء إلى تنظيم الدولة الإسلامية بعد انسحابه منه عام 2014 وتسببه في عمليات القتل والتهجير وسبي النساء الإيزيديات.
ولا تملك هذه الفصائل سوى الموت أو المقاومة من أجل البقاء في سنجار والحفاظ على أرضها، كما يقول خال علي قائد قوات لالش المدعومة من الحشد الشعبي، مؤكدا في حديثه للجزيرة نت أنهم لن يسمحوا ببيع سنجار مرة ثانية، ويرفضون رفضا قطعا أن يصبح سكانه عبيدا لأي طرف.
ويشدد علي على رفض الإيزيدين تَحكّم الحزب الديمقراطي الكردستاني في مصيرهم، وهو نفسه الذي سحب قواته من سنجار عام 2014 ولم يطلق طلقة واحدة ضد تنظيم الدولة رغم العدد الهائل لتلك القوات الذي بلغ نحو 12 ألف عنصر آنذاك.