د.خالد ممدوح العزي
من جديد اشتعل فتيل الأزمة الإيرانية البريطانية ،بعد احتلال السفارة البريطانية في طهران في 29 تشرين الثاني نوفمبر 2011 ،اثر الهجوم الطلابي الإيراني المندد بالعقوبات الاقتصادية البريطانية الجديدة التي شملت قطاع المصارف والبنوك التي تربطها صلة بالأموال الإيرانية والتي تشارك بتمويل المشروع النووي الإيراني ،فالأزمة البريطانية الإيرانية ليست بجديدة، لكون إيران تتهم بريطانيا بالتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية وخاصة منذ نتائج الانتخابات الإيرانية التي فجرت الثورة الخضراء عام 2009 ،واستمرت في حرب إعلامية ضروس من خلال قناة “البي بي سي “الناطقة الفارسية الممولة من الحكومة البريطانية وقناة “برس تي في” الناطقة بالانكليزية والممولة من قبل الحكومة الإيرانية ، والتي تتهم إيران بتسليح حركة طالبنا التي تواجه حركة الناتو في أفغانستان ، والجدير بالذكر بان بريطانيا لم تتخذ مواقف متشددة ضد إيران سابقا، فالعلاقات الديبلوماسية استمرت كما هي عليه، بالرغم من اللهجة الإيرانية القاسية ضد لندن ،لكن طهران أبقت التمثيل الديبلوماسي كما هو ، استطاعت إيران سابقا من تحقيق نصرا ديبلوماسيا وسياسيا ، مزدوجا ،عندما اعتقلت إيران البحارة 15 البريطانيين في المياه الإقليمية الإيرانية، نجحت في عملية الاعتقال وفي عملية الإفراج ،مما اجبر لندن على السكوت وعدم الرد على الخطوات الايرانية نتيجة تواجدها العسكري في جنوب العراق ذات السيطرة الإيرانية،وتخوفا من ردة فعل إيران والأحزاب الموالية لها،مما اجبر البحرية البريطانية بالالتزام التام وعدم تخطي المياه الإقليمية أثناء تواجدهم في العراق. فالأزمة الحالية المتصاعدة ، إذا هي امتداد لفصول طويلة من الأزمات السابقة التي تعصف بالبلدين طوال فترة الحرب الباردة بين طهران والغرب، والتي كانت أخرها عملية اقتحام السفارة البريطانية وتخريب محتويتها الداخلية واعتقال عددا من الرهائن،كما حدث في السابق مع السفارة الأمريكية في العام 1979 عندما اقتحم الطلاب الإيرانيين السفارة وتم احتجاز الرهائن الأمريكيين .
بظل هذا المشهد المتصاعد من الصراع الديبلوماسي بين البلدين ،بدأ يأخذ نوعا جديدا من الصراع في مرحلة أكثر ضراوة وشراسة بعد حرق السفارة البريطانية ،فالمعركة تبدو تتجه نحو التصعيد ،وتسير الدول الغربية نحو هذا الاتجاه من خلال التضييق على ملف النووي للجمهورية الإسلامية، و الذي أصبح أكثر عرضة للنقد، وجره نحو الأمم المتحدة وسحبه من يد الوكالة الدولية للطاقة النووية .
فالقرار البريطاني القاضي بفرض عقوبات اقتصادية ومالية ، تشمل مقاطعة كاملة لكل القطاعات المالية والاقتصادية الممثلة بالبنوك الغربية التي لا تزال تربطها بطهران علاقة مالية تساعدها في التحرك بهدوء لتامين مشترياتها التكنولوجية لمشروعها النووي، لكن القرار الأوروبي والغربي فرض عقوبات جديدة على قطاع النفط والبتر وكيميائية التي لم تشملها سابقا أية عقوبات، وهذا القرار هو الذي أزعج السلطة الإيرانية والذي سيسب لها أزمة خانقة .بالرغم من إن مجلس الدستور الإيراني الذي صادق بالإجماع على تخفيض مستوى العلاقات مع بريطانيا إلى مستوى قائم بالإعمال، مما يلزم الحكومة الإيرانية بتنفيذ القرار خلال 15 يوم من اتخاذه لطرد السفير البريطاني والإبقاء على القائم بالإعمال،كما اثأر النواب الإيرانيين معاقبة بلدان أخرى تسير بنفس الطريق البريطانية، هو الذي شجع الطلاب على تنفيذ عملية الاقتحام .
لكن عملية اقتحام السفارة البريطانية في طهران وإنزال العلم البريطاني لم تكن خطوة عادية ،لأنها ساهمت بتصعيد المواقف بين البلدين ،ولم يكتفي الجانب البريطاني بالاعتذار الذي قدمه رئيس الديبلوماسية الإيرانية على اكبر صالحي ،لان بريطانيا تعتبر بان طهران هي المسؤولة عن حماية المواقع الديبلوماسية حسب الأعراف الدولية والأطر المتبعة دوليا، وهي خطوة مهينة لدولة نفسها وللعالم ،وبالرغم من التنديد الدولي من الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي وأمريكا وبعض الدول الإسلامية، فان هذا الرد هو تحذيرا دوليا لإيران بحماية البعثات الديبلوماسية وتامين سلامة المبعوثين الدوليين، لكن تصريح وزير الخارجية البريطاني و”ليم هيغ” كان قاسا جدا،من خلال توعده بالرد على الأعمال الإيرانية العدوانية، والتي تمثلت مبدئيا بإغلاق السفارة الإيرانية في لندن في 30 تشرين الثاني” نوفمبر “. هذا التهديد الذي تلقته إيران من كبير الديبلوماسيين البريطانيين،سوف يكون له صده في دول أوروبية عديدة لتقوم بإغلاق سفارتها الرسمية في طهران تضامنا مع بريطانيا وتحسبا لأي عملية عدوانية ،اضافة للشجب الديبلوماسي والسياسي ،بالإضافة إلى التقيد بتنفيذ رزمة عقوبات اقتصادية شديدة على قطاعات اقتصادية مختلفة تقوم بها بريطانيا مع شركائها الغربيين، فالعقوبات البريطانية التي فرضت على إيران وتشمل القرارات ” وقف كل التعاملات بين القطاع المالي البريطاني والمصارف الإيرانية وأصول البنك المركزي الإيراني ووقف شراء مشتقات النفط الإيراني”. لتلحقها فيما بعد إغلاق السفارة الإيرانية في لندن وطرد الديبلوماسيين الإيرانيين ، والحبل على الجرار بانتظار تطور موقف البلدين الملتهبة .
فالموقف الإيراني الذي يعتبر بان العقوبات الاقتصادية على طهران هي حرب يشنها الغرب على الشعب الإيراني وهي عقوبات عدائية غير شرعية وغير قانونية، هذا ما عبر عنه موقف علي لاريجاني الذي شجب مجلس الأمن الذي أدان عملية الاعتداء على السفارة وقد دعا بريطانيا لعدم تكبير الأمور وإخراجها عن حجمها الطبيعي نتيجة إخلال امني من قبل طلاب إيرانيين قاموا باحتلال السفارة.
فالطلاب الإيرانيين الذي قاموا بمهاجمة السفارة وكانوا يرفعون شعار واضحا موجها ضد الإرهاب الثلاثي “أمريكا بريطانيا وإسرائيل”لم تكن هذا الخطوة بعيدة عن رغبة الدولة الإسلامية، ودون التنسيق المسبق مع قوات حرس البسيج، لكن هذا الاعتداء الإيراني يعتبر رسالة سياسية غير مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية التي تخوض الصراع المباشر مع إيران، فإيران التي تخوض محادثات غير مباشرة وسرية مع أمريكا للتفاهم على العديد من الملفات التي تخص منطقة الشرق الأوسط ،بظل السياسة الامريكية التي تمارسها واشنطن بين الترهيب والترغيب مع إيران ، وخاصة بظل خروج عسكري أمريكي من العراق قبل نهاية الشهر القادم ،فأمريكا التي تريد اخرج جيشها وقواتها العسكرية من العرق بطريقة أمنة دون خسائر بشرية ،لان الرئيس اوباما لا يتحمل أية خسائر بشرية، وهو على أبواب انتخابات رئيسية لولاية ثانية ، وكذلك البحث في الملف النووي الذي بات موضع صراع حقيقي بين الغرب وإيران ، إضافة للموضع السوري وأفغاني، أمريكا تمارس سياسة إعلامية تصعيده ضد إيران لكي تتمكن أمريكا من التفاوض بقوة بظل الضغط الغربي على إيران ،لكن الرد الإيراني الذي جاء سريعا على رفض الضغوط الأمريكية والغربية على إيران ،من خلال استخدام العقوبات على قطاع النفط الحيوي الإيراني والتي تقوم أوروبا بشراء النفط بشكل خاص ،والذي يشكل لإيران مخرجا هاما لفك عزلتها الاقتصادي الخانقة المفروضة عليها، من خلال عملية الاقتحام .
لكن المرسوم الرئاسي الذي وقعه الرئيس الأمريكي “براك اوباما” والقاضي بطرح رزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على إيران ، ستكون قوة ضغط اضافية اثناء التفاوض ،فالعقوبات المطروحة قاسية جدا على الجمهورية الإسلامية ، لكن اوباما بررا ذلك بان الجمهورية وقياداتها اختاروا العزلة الدولية من خلال الاستمرار بتطوير البرنامج النووي، وعدم الانصياع للإدارة الدولية والتعاون معها، وأنظمت إليه كل من فرسنا وبريطانيا،في تجميد الأموال في المصارف الأوروبية وفرض حظر على شراء النفط .
لكن روسيا التي تعتبر العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، ماهية إلا أوراق ضغط تستخدمها الدول الغربية على إيران لتنفيذ شروطها وبالتالي هي عقوبات غير شرعية وغير قانونية ، وموسكو ترفضها لأنها تزيد الأزمة وتربكها وتعقد حلولها .
وتبقى الأزمة مفتحة على مصراعيها بين إيران وبريطانيا لتنضم إليها دول جديدة متضامنة مع بريطانيا، لتستمر الأزمة بالتصاعد وتأخذ شكلا جديدا من المواجه السياسية والديبلوماسي والاقتصادي بمشاركة دول كثيرة سوف تنضم إلى قوائم المعترضين على سياسة إيران الداخلية والخارجية ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ماذا تستفيد ايران في اشعال هذه المعركة الديبلوماسية مع الغرب، و التي تنذرها بسحب السفراء الأجانب وإقفال السفارات الإيرانية في الغربي لتدخل إيران من جيد في عزلة دولية خانقة نتيجة أغطاء متزايدة تتراكم فوق بعضها البعض للسياسة الخارجية التي تنتهجها إيران النجادية، والتي عبر عنها إحدى نواب الأمة محمود احمدي بفاش بقوله : “بأنه لابد لإيران من أن تقطع كل الصلات مع بريطانيا وعلينا اقفل السفارة البريطانية بالقفل والمفتاح، ونتجاهلهم حتى يأتوا ألينا صاغرين كما حدث مع أمريكيا “.
بالرغم من المعارضة الاوروبية الشديدة لقرار العقوبات الاقتصادية ضد إيران بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالقارة البيضاء،لكن عملية احتلال السفارة ساعد الأمريكان والغرب على فرض مواقفهم المتشددة على طهران ،ونحن أضحينا أمام أزمة حقيقية تفرض على إيران وتنفذ فيها رغبات غربية من خلال استدعى السفراء الغربيين من طهران، واقفال المدارس الاجنبية “الارساليات “،وطائرات الاستطلاع الامريكية التي أسقطتها طهران، اضافة الى الزوبعة الاعلامية الجديدة المتجددة ضد مشروعها النووي ، لتبدأ ورقة الضغط الحقيقية ضد نظام الملالي ومشروعهم النووي .
د.خالد ممدوح العزي
كاتب صحافي ومختص بالإعلام السياسي والدعاية.