منذ بزوغ ما يمكن تسميته (الربيع العربي) و أي ربيع ؟ من تحت مدرعات الأنظمة العربية الجاثمة على شعوبها، كان لسوريا حقها من بصيص الضوء هذا. فمع إسدال ستار العقد الأول من الحرب السورية و حقائق الصراع على الأرض تتحرك نحو التغيير و كأن المسألة وما فيها جلبة الحلفاء على تقاسم غنيمة الحرب.
فما حقيقة تراشق بين دببة موسكو و حاشية البعث ؟
هل المسألة ضغط بالوكالة أم تحول تكتيكي ؟
لعبت روسيا دورا مركزيا في إنقاذ شظايا نظام السوري المتبقية نتيجة ضربات المعارضة التي بسطت أذراع نفوذها على ثلثي مساحة البلاد حتى باتت العاصمة دمشق تلوح في الأفق، ثم تغيرت المعادلة الصعبة لصراع بتدخل روسيا عسكريا في 30 سبتمبر / أيلول 2015 لتنقلب الكفة لصالح من يقيم في ’’قصر الشعب’’ بل و منعت لمرات عديدة هزيمته في الأروقة الدولية جاعلة نظام البعث يسترد عافيته شيء فشيء ليدخل في معادلة الصراع السوري مجهولاً.
بعدما هدأ دوي المدافع على الجبهات العسكرية في الجانب المعارض، بعد جولات مراطونية من حرب الطاولة وإبرام الاتفاقيات بمعية تركيا و أخرى بمشاركة الإيرانيين. إنقلبت الأية إنقلاباً ، و أصبح لا شيء يعلوا على لغة التراشق و الملسنات بين حليف الأمس ورائد البعث في سوريا، وهنا يستحضرني مبدأ قديم قائل ;(الدخان علامة النار البينة). انتقادات حادة تارة عن فساد حاشية ’’أل الأسد’’ و من يسبحون في فلكه من جنرالات مال و حيثان فساد و تارة أخرى عن الأسد بعينه و كأن الأمر بنسبة لروسيا (مستنقع أفغاني جديد).
هذأ التغيير في موقف روسيا ضدا نظام الأسد أصبح حديث المرحلة الحالية، بتصدره عناوين الأذرع الإعلامية المقربة من الكرملين كصحيفة “برافدا” الرسمية و وكالة “تاس” الروسية و مؤسسات تابعة لمجموعة “فاغدر” وغير ذلك … ، فيمكن هنا أن نبسط باقتضاب لب الخلاف الروسي السوري من وجهة نظر الباحث السياسي السوري ’’عبد الرحمن عبارة’’ :
- تقليص حجم القيادة السورية في إطار التفاهمات السياسية و العسكرية التي يجريها الكرملين مع عدة فاعلين محلين و إقليمين.
- عدم قدرة دمشق تمويل المزيد من الأنشطة الروسية في سوريا.
- تزايد تدخل موسكو في الشؤون سوريا الداخلية.
- رغبة دمشق المُلحة باستكمال زحفها العسكري في “إدلب”، الأمر الذي ترفضه روسيا نظرا لإتفاق “سوتشي” الخاص بإدلب الذي مازال ساري المفعول.
العلاقة الأن بين محتل لا شرعية له و نظام لا يملك من الشرعية شيء تقبع في عنق الزجاجة وهو ما جعل دمشق ترد بعدما إستحملت ما يكفي من الهجمات العلنية لدببة روسيا بحقها، و لعل وجود قادة الحرس الثوري جعل سلوك الإنفعال في وجه موسكو أكثر جرأة، حيث خرج جيش نظام الأسد و لأول مرة في انتقاد صريح لمنظومة صواريخ “إس 300” بل ذهب لأبعد من ذلك في انتقادات طالت أنظمة دفاع الجوي روسية أخرى. فمنذ أن بدأت أيادي الكرملين عابثة بمصير ثورة السوريين اليتيمة حققت عدد من الأهداف التي كانت بأدراجها الإستراتيجية، كحصولها على قواعد عسكرية في “طرطوس” و “حميميم” على الساحل السوري بل توسيع تأثيرها في المنطقة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية. فروسيا اليوم هي الحكم الأول و الأخير في الملف السوري ومعظم القرارات المصيرية التي تتخذ فيه تأتي من كرملين وليس من قصر الشعب أو من يقيم فيه، فهم سادة الجو فوق سوريا و هم من يقررون مصيرها على طاولة المفاوضات.
و نترك لسوريا البلد و الحضارة و الإنسان إستئناف حديثها الطويل مع قوام الإنسانية وتُجار الحروب و تجارب التاريخ التي تكرر.