د . علي عبدالحمزه
في لقاءٍ له من على فضائية قناة الشرقيه أجرته الأعلامية الشرقيه رقيه حسن ، سرد الشاعر العراقي عبدالرزاق عبدالواحد جوانباً عديدة من حياته الدراسيه والأدبيه والشعريه في العراق ، وبغض النظر عن ميول الرجل وإتجاهاته الساسية أعترف بأني من محبي ومعجبي الشاعر الكبير الذي لا يختلف إثنان على شاعريته وألمعيته والشهادة لله ، وأكررها هنا بغض النظر عن ميول الشاعر السياسية ، إذ ما يهمنا منه إذ أصبح شاعراً وأصبح مُلْك الجميع هو شعره ، أما آراؤه وأفكاره وتصرفاته وسلوكه فهو له ، أما لنا فهو شعره وحسب . ولكن ولأن لكل شئ حدود أقول بأن الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد في لقاءه الأخير وقد بلغ من العمر عتياً رأيته بأنه تجاوز كثيراً وأثر سلباً على معجبيه عندما أجاب على سؤال المُقدمة رقيه حسن عن رأيه بأختيار بغداد عاصمة الثقافة العربيه لعام 2013 بجواب أية بغداد وأية ثقافة قائلاً بأن الأجدر أن تُختار وتسمى عاصمة الأمية والجهل ! وإستغربت أشد الأستغراب وتألمت كثير الألم ، إذ كيف ينطق شاعر بمستوى وألمعية عبدالواحد بهذا الرأي عن مدينة طالما تغنى بها بقصائد أطربت لها المسامع ، أيُعقل أن تصل به العزة بالأثم إلى هذا الحد الذي يحط فيه من قدر ومكانة بغداد عاصمة الشعر والشعراء والأدب والأدباء وكأنه ماقرأ أو سمع بيت الشعر ( بغدادُ والشعراءُ والصورُ .. ذَهَبُ الزمانِ وَضَوْعُهُ العَطِرُ) و( بغداد ما إشتبكت عليكِ الأعصرُ … إلا ذوتْ ووَريقُ عودِكِ أخضرُ) .. كيف ولماذا تكون بغداد عاصمة الأمية والجهل وهي تضم بين ظهرانيها آلاف الشعراء والكتاب والنقاد والقصاصين والفنانين والنحاتين والرسامين والتشكيليين والموسيقيين ؟ كيف تكون كما وصفهاعبدالرزاق وهي تلد كل يوم شاعراً وكاتباً وقاصاً يثير الأعجاب له وتُعقد له الأصبوحات التي تعج بالرواد والشباب من عطاشى الثقافة والقراءة والأطلاع؟ كيف تكون كما وصفها وهي تعج بالكثير من المجالس الأدبية التي تُعقد إسبوعياً والتي يشدو بها الشعراء والكتاب ويحضرها النقاد والمتابعون ؟ ألأن بغداد الآن هي ليست بغداد التي كان يعيش فيها عبدالواحد ايام وقت ما كان شاعر القصر والبلاط الذي أُغْـْدِقَ بالهدايا والعطايا وصرر النقود الذهبية كلما قال فمدحْ ؟ هل يكون الشعراء بهذا المستوى؟ فأن كانت بغداد تمر بظروف قاهرة وعصيبة وصفها عبدالواحد بالأمية فهي نتيجة لما مضى من السياسات العنترية الفارغة التي ضحكت على الذقون وأذاقتهم الويل والهوان فأَنْسَتْهم حياتهم كما يجب أن تكون أسوةً بغيرهم من الشعوب التي لاتملك تأريخاً ولا عمقاً حضارياً .
بغداد هي بغداد … شموخ التأريخ وعنوان مجده وعنفوانه . كم مر عليها من الطغاة الذين دمروا وحطموا ولكنهم عجزوا أن يمحوا ذكر هذه المدينة العظيمة فانمحت أسماؤهم فلا يتذكرها الناس كما يتذكروا بغداد .. بغداد الجواهري والرصافي والزهاوي والسياب وعبدالوهاب البياتي ونازك الملائكة ولميعة عباس عماره وخالد الرحال وجواد سليم وفائق حسن والدروبي وإسماعيل الترك ويوسف العاني والشبلي وبدري حسون فريد وداخل حسن ومحمد جواد اموري وحسين نعمه وزامل سعيد فتاح وعريان السيد خلف وسامي عبدالحميد وسليم البصري وسعاد الهرمزي وعلي كريم وعمو بابا وجمولي وحسن بله وآلاف آلاف الكتاب والمبدعين الذين يشكلون التأريخ العريق ، فأذا نهل الجيل الحاضر من هذا كلمة ومن ذاك كلمة لأبدع وزرع الثقة بنفسه ليتكلم وليقول أنا عراقي وأفتخر ، فكيف بمن يمتلك هذا التأريخ الزاهر أن يوصف بالأمية ؟! ولكن حقاً لك أن تصفها بما قلت إن تأكد لك خلو دماغها من ذكريات الماضي الذي كنتَ تتغنى به لتُغدق عليك الهدايا والعطايا وقطع الأراضي والقصور بينما هي بغداد تتلوى ألماً وجوعاً ومرضاً وحصاراً بفعل أعمال من مدحته وطبلت له وإنجررت لأفكاره حتى صرت ملكياً أكثر من الملك وأنت الشيوعي الهوى والميول ن فلا غرابة في أن نراك تصفها بهذا الوصف المؤلم وحقك في هذا لأن ولي نعمتك ولى إلى غير رجعة فلا قصر ٌ ولا كُللُ وأثبت بأنه لا فذٌ ولا بطل ُ، بغداد على العكس يا عبدالواحد كانت أمية يوم كانت تعيش الفكر الواحد والكتاب الواحد والمربد الواحد والقائد الواحد الأوحد الذي جعلتم له تسعٌ وتسعون إسما ً ، يوم كانت لا تقرأ إلا زبيبة والملك الروايه لكاتبها والتي جعلتم منها بمستوى رواية ماركيز حب وكوليرا .. أما اليوم فبغداد بغداد الأنفتاح والحرية التي تحتاجها العقول للأبداع الفكري والفني والمسرحي والشعري والرياضي والعلمي دون خوف من مقص الرقيب الذي يقص الأوراق والأعناق .. لا أنكر إني كنت أحبك وأقرأ لك على الدوام بل وكتبت لك ردوداًمتأثراً بقصائدك وشاعريتك ولكن حبي لبغداد اكبر وصدقني لو تجرأ ولدي وتكلم سوء ً عن بغداد لتبرأت منه. وقد يفسر كلامي هذا من انه تملق وتزلف لأولي الأمر والسلطة والحكم كما كنت انت بماضيك فأنا أؤكد لك بأني ليس لي علاقة بأحد من رجال العهد الجديد ولا أملك هداياهم وعطاياهم ، إنما تزلفي وتملقي ومدحي لوطني الغالي العراق ولحاضرة الدنيا عاصمتي الخالدة بغداد التي لا يعلو حب فوق حبها طالما ظلت دجلة الخير تتهادى فيها وطالما ظلت نوارسها تغني كل وقت موطني موطني وطالما إغرورقت العيون بالدموع كلما سعت رائعة الجواهري حييت سفحك عن بعد فحييني .. يادجلة الخير يا أم البساتين .. وكلما قرأ عشاق الوطن .. الشمس أجمل في بلادي من سواها .. حتى الظلام هناك أجمل .. لأنه يحتضن العراق . يمر الجسد بالوهن والعلل وينهض بعد حين معافى سليما ناسيا آلامه وراء ظهره وبغداد هي كذلك تنهض لتقرأ ما تكتب أقلام العالم وماتطبع مطابع الدنيا .. أليست هي مالئة الدنيا وشاغلة الناس ؟ فكيف لك أن لا تعتذر ؟ عجباً عليك وعيباً ايها الرجل ُ .. فبغدادُ دنيا ودُنيا كلها أمل ُ .