إسرائيل تهنئ المسلمين بعيد الأضحى
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
أي وقاحةٍ وصفاقةٍ غريبةٍ هذه التي يتحلى بها الإسرائيليون، وأي نفوسٍ حمقى ومريضة يحملون، وبأي أرواحٍ خبيثة وقلوبٍ سوداء يتمنون، وبأي لسانٍ كاذبٍ يتحدثون، وبأي وجهٍ حاقدٍ ينافقون، إذ يهنئون الفلسطينيين والمسلمين بحلول عيد الأضحى المبارك، ويتمنون لهم فيه الصحة والسلامة والمعافاة الدائمة، وهم يعلمون أن السلامة في رحيلهم، والأمن في غيابهم، وأن الشر كله في وجودهم، فهم نقيض الخير، وعدو السلام، وخصم المحبة، إنهم الموت الزؤام والشر المستطير، والخبث المكين والمكر اللعين، الذين لا يرقبون في فلسطينيٍ اليوم، ولا في مسلمٍ قديماً وحديثاً إلاً ولا ذمة، ولا يحبون له الخير ولا يتمنون له السلامة، بل إنهم يتمنون لهم الموت، ويهدونه إليهم كل يوم ألواناً وأشكالاً.
يتسابق المسؤولون الإسرائيليون بتهنئة المسلمين، وكأنهم يعتقدون أننا ننتظر تهنئتهم، ونتلهف لتلقي مباركتهم، فهذا رئيس حكومتهم الكذاب الأشر، الأمر بالشر، والساعي بالفساد، والحامي للمستوطنين والمحرض على العنف والتطرف، يوجه رسالةً إلى الشعب الفلسطيني وإلى أهلنا المتمسكين بأرضهم وحقهم في أرضهم، يهنئوهم فيها بالعيد، ويتمنى لهم فيها الخير، وهو الذي قتل جنوده في اليوم نفسه بدمٍ باردٍ شابةً فلسطينيةً، تهتمها الوحيدة أنها منقبة، أو أنها فلسطينيةٌ، أو مسلمة لا فرق، فوجب قتلها، مبرراً جريمته بأن جنوده أطلقوا النار عليها، ثم جروها على الأرض وسحلوها، وكشفوا وجهها وعروا جسدها، بحجة أنها كانت تنوي طعن جنوده بسكينٍ لا تحملها، وخنجرٍ لم يكن معها.
أما قيادة جيش الاحتلال والعدوان، الذي يقتل بلا حساب، ويدمر بلا رحمةٍ ولا شفقة، ويعتدي على الأرض فيصادرها، وعلى الحجر فيدمره، وعلى الشجر فيحرقه أو يقتلعه، ومن قبل على الإنسان الفلسطيني فيقتله أو يعتقله، فإن قيادة أركانه لا تنسى في غمرة مهامها القذرة، وأنشطتها العدوانية الوحشية، أن تطلب من الدعي الأفاق أفيخاي أدرعي، أحد الناطقين باسمها، والمتحدثين باللغة العربية إلى أهلها، وإن كان أكثرهم وقاحةً وصفاقة، فيهنئوهم بلسانٍ عربيٍ ويتمنى لهم السلامة، ويرجو لهم الخير، ويدعو لهم بمستقبل زاهرٍ وأيامٍ طيبة، ويقول متبجحاً أن الشعب الإسرائيلي يرسل تحياته القلبية إلى عموم العرب والمسلمين، ويدعوهم إلى الإيمان بمعاني العيد، التي تدعو إلى المحبة والسلام، وينهي تحيته بجوقةٍ من الجنود والمجندات الإسرائيليين ببزتهم العسكرية، وقبعاتهم الدالة على قطاعاتهم وألويتهم، وهم يقولون للعرب والمسلمين “كل عامٍ وأنتم بخيرٍ”، ويوقع تحيته باسم “جيش الدفاع الإسرائيلي”.
أما السفارات الإسرائيلية التي ترفع أعلامها في سماء بعض الدول العربية فتلوثها، فإنها لا تنسى أن تنشر رسالة التهنئة والسلام، ولا تتأخر عن تقديم الواجب إلى وزارات الخارجية العربية المعتمدة لديها، ولا تكتفي بالمخاطبة الرسمية والنصوص البروتوكولية، بل تتوجه إلى المواطنين العرب في البلاد العربية، فتخاطبهم كأنهم أصدقاء لهم، أو جيرانٌ لكيانهم، لا عداوة بينهم ولا خصومة تميز علاقتهم، وتطلب منهم أن يتفضوا بقبول تهاني الشعب الإسرائيلي ومباركته لهم في يوم عيدهم العظيم.
كيف يطيب للإسرائيليين تهنئة المسلمين بأهم أعيادهم، وهم يهينونهم بالاعتداء على أهم مقدساتهم، ويدنسون أشرف مساجدهم، ويعتدون على قبلتهم الأولى وحرمهم الثالث المقدس، ويخططون في هذه الأيام المباركات لاقتحام الحرم، وطرد المصلين منه، وتمكين المستوطنين والمتطرفين فيه، وحرمان أصحاب الحق من الصلاة فيه، والاحتفال بصلاة العيد وخطبته في رحابه، وهم يعلمون أن قلوب الفلسطينيين وكل المسلمين تهفو في هذا اليوم لأن تصلي في المسجد الأقصى وتكون فيه.
الإسرائيليون الذين يدعون أنهم يحملون قلوباً رحيمة، وضمائر حية، ومشاعر إنسانية، في اليوم الذي يهنئون فيه المسلمين يقتلون أبناءهم، ويشددون الحصار عليهم، ويضيقون على أسراهم ومعتقليهم، ويحرمون ذويهم من زيارتهم ورؤيتهم، أو مراسلتهم وجلب الهدايا لهم، وما علموا أن العيد عند المسلمين إنما هو للفرحة والتزاور، وللبس الجديد وأكل الطيب اللذيذ، وهم يحرمون أمهاتٍ من رؤية فلذات أكبادهم، ويمنعون آباءً من معانقة أولادهم، أو الاجتماع في هذا اليوم بأطفالهم، والاحتفال ببهجة العيد مع أسرهم.
أم تراهم جهلةً لا يعلمون أن عيد الأضحى هو عيد المسلمين المنصوص عليه في قرآنهم، كالآيات التي نتلوها عن القدس والمسجد الأقصى، وأنهم يتهيأون له عاماً بعد عام، وفيه يتقربون إلى الله عز وجل ويبتهلون، وأن أحداً من المسلمين لا يقبل التهنئة فيه، ولا يستسيغ الابتسامة من عدوٍ يحمل سكيناً تقطر بالدم، تذبح أبناءهم، وتحز رؤوس رجالهم، أو يحمل في يده وردةً وفي الأخرى بندقيةً لا تتوقف طلقاتها، ولا تنتهي جرائمها، في الوقت الذي يدعون أنهم يبكون حزناً على المسلمين الذين يقتلون بالمئات في بلادهم وعلى أيدي أبناء وطنهم، ويقولون بأنهم والمسلمين ضحايا العنف والإرهاب في المنطقة.
ألا سحقاً لكم أيها الإسرائيليون القتلة، أيها المجرمون السفلة، أيها الأوغاد الذين لفظهم التاريخ، وعادتهم الأمم، وعافتهم الشعوب وتأذت من شرهم، إننا في غنىً عنكم وعن تهنئتكم، فلا نريد أن تشاركونا أفراحنا، ولا أن تقفوا معنا في مناسباتنا، ولا أن تهنئونا في أعيادنا، بل نريد منكم أن ترحلوا عن بلادنا، وأن تكفوا شركم عنا، وأن توقفوا آلة القتل التي تعمل فينا، واعلموا أننا لسنا ضعفاء وإن بدوتم أنكم أقوياء، وأن المستقبل لنا وإن ترائى لكم أنه لكم، وأن الأرض ستعود لنا وإن فيها عمرتم وبنيتم، وسكنتم وشيدتم.
وسحقاً معكم أيها الإسرائيليون الأعداء لمن تقبل تهانيكم، ومد يده إليكم ليصافحكم، ورضي أن ترسلوا من خلاله إلى شعبه أمنياتكم، وصدق دعواتكم، وآمن بأمنياتكم، واعتقد أنكم صادقين في مواقفكم، ومخلصين في مباركتكم، وويلٌ لهم إن هم غفروا وسامحوا، وفرطوا وتنازلوا، وسهلوا وتآمروا، وتناسوا جرح أوطانهم، ومعاناة شعبهم، وآهةِ آبائهم، وحسرة أمهاتهم، وبكاء أطفالهم.