إحتياجات
عماد عبود عباس
خاصة لا يتوقف العراقيون عن مفاجأة العالم كل يوم أو كل عام او كل عقد من الزمان و قد تطول المدة أكثر من ذلك فيخال المراقب ان هذا الشعب قد دخل سباتا لا صحوة بعده لكن العجيب أن مع طول المدة تكبر المفأجاة ، إنجازات في العلم و الرياضة و الفن ، في السلم و الحروب و كل المجالات . لست متخصصا بعلم الاجتماع لكني عشت على هذه الارض و أعرف أن أهليه ينتمون الى ذلك النوع المتميز الحي من البشر دائم البحث عن علل و أسباب ما يعتري الكون من ظواهر و ما يعتري المجتمع من أمراض ، ليسوا راضين تماما عن أي شيء و يعتقدون بوجود علة في كل شيء يجب البحث عنها و يعودون للبحث حالما يجدوها ، يتداولون مثلا شعبيا يقول ( يبحث عن اللقيط مَن أبوه ) باحثون على الدوام عن أسباب الأشياء ويتجادلون في كل شيء ، مختلفون ، اُنظر الى لعب أطفالهم و أدوات مكياج نسائهم ، أنظر الى خبزهم و شِعرهم ، حتى الطبيعة تجاوبت معهم لتعطي انطباعا بأن على هذه الأرض يعيش قوم مختلفون ، درجة حرارة أجوائهم و طعم تمرهم ، و حتى نوعية بترولهم ! هذا لا يدخل في خانة التعصب بل بالعكس فهذه الصفة قد لا تكون حميدة على الدوام ! هل هي ميزة ؟ نعم في قياسات الحي و الميت من الشعوب هي ميزة . هل تجلب على العراقيين الخير دائما ؟ لا ، لقد نسيت أن أضيف أننا شعب نزق مثل عاشق أو مثل طفل لا يلبث أن يحطم اللعبة التي طالما حلم بها ، لقد كنا أول من اخترع العجلة و هي اهم اختراع على مر العصور لكننا زهقنا منها سريعا ، لم نصنع منها غير عربة حربية تجرها الخيول وتركناها لآخرين صنعوا منها قمرا صناعيا يتجسس علينا و طائرة تقصفنا بالقنابل و نزقنا جعلنا قليلي الحيلة سريعي التعب لا نجيد المطاولة ننتصر على أعدائنا بالسيف لينتصروا علينا فيما بعد بالحيلة ، ثوريين نطيح بالمستعمرين و الطغاة و لا نحتمل تسلطهم ليتسلل وكلاؤهم من اللصوص و المفسدين فيسرقوا ثورتنا و يعيدونها اليهم من جديد ، و لكي نكون منصفين مع أنفسنا علينا القول ان سرقة الثورات ليست ظاهرة عراقية بل هي ظاهرة عالمية تحدّث عنها منظروا الثورات و مفكروها و قادتها وسراقها أيضا ، و لكي نكون منصفين ايضا مع انفسنا نقول أن ثوارنا لا يشبهون الآخرين و هذه أيضا ليست نرجسية و لا تعصبا ، ذكروني إن كنت ناسيا أن عصبة من النساء في ربيع أي ثورة يتحلقن حول بعضهن ليشاركن في تظاهرة متحديات طعنات المقاصيص و هجمات المتخلفين ، نعم حدث ذلك في مصر و تونس و غيرها لكن بالله عليكم هل تصح المقارنة و قد وصل مجتمعنا الى ما وصل اليه من تجهيل حتى صرنا ندرّس الجهل في مناهجنا المدرسية ؟ في أية ثورة خرج المكفوفون في مقدمة التظاهرة تقودهم عصيّهم الدقيقة التي يتلمسون بها الطريق في مواجهة عصي الجهلة الغليظة ، كيف تلمسوا طريقهم الى ساحة التحرير و من خط لهم لافتاتهم و على أي موقع تواصل جرى تواصلهم ليحضروا جميعا على موعد واحد ؟ في أية ثورة خرج الصم و البكم ليشاركوا المتظاهرين احتجاجاتهم ، كيف استطاعوا تنسيق خروجهم بلا هاتف نقال و بلا هتافات ؟ ماذا يعني كل ذلك ؟ عندما يكون ذوي الإحتياجات الخاصة في مقدمة الثوار لا شيء يحمي رؤوسهم غير نصب جواد سليم و لا سلاح يواجهون به الهراوات القادمة من الأزقة المظلمة إلا الهواء ، هواء بغداد الحبيبة و أخواتها من خاتونات شمال و غرب وجنوب وشرق ووسط هذه البلاد المستحمات ابدا بماء دجلة و الفرات و شط العرب ، المتلفعات بعباءة حيكت من خوص نخيلها فهذا يعني الكثير . يعني أن هؤلاء لم يعودوا من ذوي الإحتياجات الخاصة و ان هذه التسمية تركوها لأولئك المتحصنين خلف الأسوار الذي يغمضون أعينهم و يسدون آذانهم عما صنعت أيدهم أما هؤلاء الأبطال الذين يتقدمون الصفوف فهم ظاهرتنا و إنجازنا الجديد . سنعقد جلسة جدل عراقي تحت نصب الحرية لنجد توصيفاً جديدا يليق بهم بعد أن تحرروا من وصفهم القديم و رموه من فوق الجدران الكونكيتية العالية لمن يستحقه