أيهما أهم الصحفي أم الخبر
هادي جلو مرعي
رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية
سيدي المدير هناك معركة شرسة في ضواحي المدينة، ولابد من إرسال فريق تصوير وسنبعث بالمصور أحمد والمراسل حسن ومعهما مساعدين فنيين الى هناك لتغطية الأحداث، وإعداد تقرير كامل عن المعارك الدائرة. لم يكن المدير غبيا كعادة البعض، وطلب الى مساعده أن يحدد نسبة المخاطر المحدقة بحياة الفريق الصحفي في حال دخل الى منطقة الصراع، وهل هناك خطورة عالية على سلامتهم الشخصية؟
عاد المساعد بعد دقائق، وأبلغ مديره أن نسبة الخطر عالية بالفعل، وإن الفريق قد يتعرض الى موت محقق على يد مسلحين محتملين لايمكن السيطرة على تحركاتهم، أو معرفة تكتيكاتهم التي يستخدمونها في تلك الأنحاء المضطربة، وربما ستخسر الإدارة جهود عامليها دون جدوى، وإن هناك فرصة للحصول على المعلومات من أشخاص يتواصلون معنا عبر الهاتف وهم مطلعون على سير الأحداث، ولديهم رغبة بالحديث وهذا يغنينا عن المجازفة بحياة مراسلينا ومصورينا، لكن المدير أصر على أن يتوجه الفريق بسرعة قصوى الى المكان برفقة بعض العسكريين ورجال أمن، وأوصاهم أن يتوخوا الحذر لكي لايتعرضوا الى الإستهداف من قبل المسلحين.
كان عدد أفراد الفريق ثلاثة المراسل حسن والمصور أحمد والسائق الذي يعرف المكان جيدا، وربما كان يستطيع المرور عبر شبكة وعرة من الطرق ويتجاوز بعض الحواجز الأمنية ومناطق سيطرة المسلحين الذين لايبدون رغبة في التعاون وقد يحتجزونهم، وربما يعرضون حياتهم الى الخطر. كانت المعارك شديدة وإطلاق النار لم يتوقف، وقد سقط العديد من الجنود في المواجهة، بينما كان الجرحى كثر للغاية ومنهم من فقد في المعركة ولايعرف مصيره، حاول الفريق أن ينجز المهمة بسرعة فائقة توخيا للحذر من الوقوع في كمين، أو الإصطدام بحاجز لايعرفون لمن يعود.
إنتهت المهمة عصر ذلك اليوم وكانت السيارة تعود أدراجها، وكان التعب قد أخذ من الفريق كل مأخذ، وبينما كان المراسل حسن يغط في نوم عميق كان المصور أحمد يجول بناظريه عبر نافذة السيارة وهي تنهب الطريق وينظر الى الحقول المترامية، ويرى بعض من آثار الحرب على البيوت والشوارع والمنشآت المتناثرة هنا وهناك، وكان السائق يستعجل الوصول لكي يشعر بالطمأنينة إنه أدى المهمة بنجاح، وكانت المفاجأة المهولة حين تم إعتراض السيارة من قبل بعض المسلحين الذين قاموا بإطلاق النار عشوائيا، ولولا شجاعة السائق ومهارته لتم إيقاف السيارة وقتل كل من فيها، وظل السائق يقود بسرعة فائقة لكنه إكتشف إن المراسل حسن قد قتل في الحال، بينما أصيب المصور أحمد في رأسه الذي ظل ينزف، ولكنه لم يتوقف حتى وصلوا الى المستشفى.
كانت المسؤولية في قتل المراسل حسن تقع على عاتق المسلحين، لكن من هم هولاء المسلحون الذين يمكن أن يتم القبض عليهم؟ لكن ماهي مسؤولية المدير الذي كان يعرف إن حياة الصحفي أهم من الخبر الذي كان يريده المديره، وهاوقد قتل حسن فماجدوى أن يكون لدينا خبر؟ حسن صار هو الخبر.