هل يمكن منع إفلات المجرمين من العقاب بظل سطوة المنظومة الكليبتوفاشية وسلطتها المطلقة!؟
ليست هذه المعالجة كلية شاملة ولكنها تشير عبر تركيزها على موضوعة الإفلات من العقاب إلى أهمية بل خطورة أن نهمل البديل النوعي الكلي الأشمل.. ومن هنا جاء العنوان الأساس بمحتوى والعنوان الفرعي بتوجيه الذهن إلى ما نختاره نموذجاً لإشاراتنا بخاصة مع تصاعد الصوت هذين اليومين بالإشارة إلى جريمة من جرائم ضد الإنسانية بل الإبادة التي يتعرض لها العراقيون بدم بارد كما بمحارق مستشفيات جهنم وجحيم منظومة فساد قوى كربتوقراط تحيا بإنفلات وبإفلات من كل عقال وسلطان إلا نهج الجريمة بأشكالها!
وفي ضوء ذلك سننطلق من مشاهد الجريمة وما يقيد الحكومة التي ليس بين اهداف أي من معالجاتنا توجيه تهمة لها أو لعناصر تشكيلتها بقدر ما يهمنا توجيه النظر إلى مخاطر وجودية لما يُفرض عليها من نهج موجِّه لأدائها
منذ 2003 حتى يومنا اتسمت الأوضاع في العراق بتفاقم ارتكاب الجرائم وتابع أنماطها مع إفلات المجرمين من العقاب أو هروبهم من الأحكام القضائية وانقطاع فرص مطاردتهم! ولقد دخلت الجريمة عتبة جرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب بحق العراقيات والعراقيين وجرائم أخرى باتت تُرتكب بصيغ يسميها القانون بجرائم إبادة جماعية، كما بمحارق (مستشفيات) جهنم!! أما أكثر ما نشاهده من إجراءات حكومية فكانت توقفت عند أعتاب الآتي من ردود فعل رسمية حيث لا أفعال ولا استراتيجيات في الاشتغال وهكذا فنحن نقرأ عقب كل جريمة:
1. بيانات صحفية عالية الصوت فارغة الفعل وهي بيانات وتصريحات حكومية مما يعود لحال تكرار بيانات منظمات مجتمع مدني ينقصها كثير من الدقة والعمق والترابط الاستراتيجي مع انتفاء فرص الحل الحقيقي، إذ تكتفي بالإدانة والاستنكار والشجب والتعهد بالتحدي والتصدي بلا فعل!
2. إفراغ الرد أو الحل المقترح من الفعل والاكتفاء بردود الفعل المتشظية المحدودة بردود فعل منعزل بعضها عن بعض فيما الفعل الوحيد القائم يكمن في استراتيجية قوى التخريب المافيوميليشياوية ومرجعيتها الموحدة بمسمى أحزاب وهي أجنحة بواجهات سياسة لقوى العنف والجريمة..
3. استقالات شكلية، لأن المستقيل و-أو المعزول مسحوب اليد يُعاد، في أغلب الأحيان، توظيفه مثلما وزير الصحة السابق الذي احتل وظيفة مهمة بديلة بعد استقالته!! أو تهريبه كما وزير تجارة سابق خرج من السجن إلى دولة بريطانية ومن دون إعادة ما نهب وسرق من أموال!!!
4. وقوى الجريمة الغاشمة المتحكمة، إن اضطرت لإصدار أوامر استقدام وأحكام قضائية فهي فعليا تصدر مع وقف التنفيذ (رسمياً أو بالمستوى الحكومي) أو بتهريب المُدان بصيغ تتم عادة بأدوات سطوة مافيوية على أداء السلطات الرسمية لإيصال المهرَّب إلى دول لا تخضع لفرص إعادته!!
5. تشكيل لجان (تحقيق!) تكون أبرز مخرجات أعمالها (الطمطمة) وحفظ الملفات بمختلف الصيغ المعهودة وفي أعلى صوت لتلك اللجان مما قد يُسمَع، ليس سوى (ترداد) جمل وعبارات تكرر مطالب حركة الاحتجاج! فيما تهمل أية فرصة لتثبيت (إجراءات فعلية) على وفق أمور ملموسة في الأداء القانوني لتشخيص المتهم ومطاردته فإدانته…
6. وقد تتم الإطاحة بشخوص من موظفين ليسوا أعلى مستوى من موظفي الدرجة الثالثة؛ وتقديمهم قرابين و-أو أكباش فداء لمنظومة الفساد وحكمها أو لإدامة بقاء طبقة كربتوقراط السلطة المافيوية طبعا مع فرص كبيرة لتهريب حتى من أُدين من هذه الفئة ومنع تنفيذ العقوبات بحقهم بينما يبقى المسؤول الحقيقي يتمتع بكل فرص الحماية، بعيداً عن أية مساءلة!
7. وفي حال تراجع السلطة الحكومية الرسمية أمام ضغط عارم وتضطر إلى قديم شخوص بمستوى رؤوس فيها، فهي (رؤوس) حكومية حصراً من تلك الشخصيات (الرسمية) الموظّفة لإدارة مهام و-أو تنفيذها ولن تكون تلك الرؤوس من السلطة العميقة الفاعلة الموجِّهة للنظام الكليبتوفاشي الحاكم ولابد هنا من التذكير بالفاصل بين التشكيلة الحكومية وبين عناصر تشكيلة السلطة العليا الفعلية..
إذن، الحكومة من كابينة الوزراء ووكلائهم والمديرين العامين هي مجموعة الوظائف العليا التي تخضع لسلطة الدولة العميقة التي لا يمكنها إلا التمترس حول سلطتها ونفوذها والتمسك بما امتلكت من مكاسب على حساب منظومة عمل الدولة بصورة قانونية مؤسسية؛ وعليه فالحكومة هنا لا تمثل عند الدولة العميقة وفلسفتها ونهجها أكثر من واجهة تتستر خلفها تلك السلطة الفعلية، المتركبة المتشكلة من قيادات (المافيات والميليشيات) وأدواتهما أو أجنحتهما السياسية المسماة أحزاباً وحركاتٍ أو تيارات تعمل باستمرار على استغفال أعضائها ووضعهم بخدمة منظومةٍ، كلية السلطة؛ هي منظومة اللصوصية التي قضت على الأخضر واليابس في البلاد منذ عقدين! وهي تديم وجودها بتكليفات سواء مقابل الرشى والكومشنات كما يسمونها إكراميات (حلال) بفتاوى دينهم السياسي أو بالابتزاز والضغط المحَّل هو الآخر بتبرير خدمه القدسية الزائفة بحقيقتها…
إنّ تحالف المال [السياسي الفاسد] المافيوي مع سلاح العنف والقدسية (الدينية) الزائفة التي يسقطونها على ما يسمونه مقاومة (إسلامية) هو تحالف مثلث الشر الإرهابي بكل أجنحته…
المشكلة في العراق لم تعد ثغرات ونواقص وإهمال وظاهرة لفساد بهذه المؤسسة أو قصور بتلك وإنما باتت المشكلة منهجية نظام (كليبتوفاشي) متكامل الفعل والآلية لا يمكن أن تتحقق فيه حلول جزئية أو مطلبية ما لم تُتنزع بقوة الحراك الشعبي بوصفه صمام أمام كل حراك ومطالبه.. فالموظف الحكومي واقع تحت ضغوط مهولة وتهديدات وأشكال ابتزاز تتطلب أن يحتمي بقوة مقابلة للك الضغوط…-
أما الحل النهائي الحاسم والحازم فيكمن في تغيير المنظومة القيمية برمتها أي بتغيير النظام ونهجه وفلسفته وآليات وجوده يومها فقط يمكن لسلطة المؤسسة وقوانين الدولة الحديثة أن تحكم وأن تتمكن من فرض العقاب وتنفيذه ومن ثم منع المجرم من الإفلات من العقاب حقاً وفعلاً…
إن المجرم يدرك أنه حتى عند وقوع عقوبة عليه لن تُنفّذ لأنه فوقها وفوق من أصدرها، ولهذا نشهد يوميا اغتيال قاض أو محامٍ أو شرطيٍّ وضباط إنفاذ القانون فأغلبهم ممن تجري متابعته لوضعه تحت خيمة مسيرتهم وأوامرهم عند الضرورة والطلب…!
عليه فالحكومة ومؤسساتها وعناصرها وفيهم كثيرين من أبناء الشعب ممن يدرك معنى الدولة الحديثة وقوانينها ولكنه لا يملك سلطة إعمال ما يدركه ويعرفه يقيناً فالسلطة وإرادة القرار بمرجعية المجلبب المعمم الذي يملك الأوامر والنواهي بكل مؤسسة وسلطة…
إن حسابات قوى التنوير الأنجع هي ألا تستهدف (الأشخاص) في إدانة تضيق بشخصنة وتحصر بديلها باستبدال وجه بآخر وأن تتنبه على خطورة ترك الأساس يستفحل ألا وهو نهج فساد وابتزاز قمعي يقوم على طغييان فعل العنف واثره والعنف هنا بسلاح أو بفتوى أي بقيود تتمظهر بالتدين وقدسيته مرة وبالتقاليد ومنَعَتها في مرة أخرى وكلاهما تنتظران موقفا حازما شجاعا..
إن إعادة ما يسمونه المرجعية المقدسة وسلطتها إلى دائرة فعلها الحقيقية وإلى حجمها المتحدد بقانون الدولة الحديث التي تعلو سلطة قوانينها ومناهجها الأحدث والأنجع على كل سلطة أخرى ومنها (الدينية) لا يُعد إهانة لتلك المرجعية عندما يصدق وجودها ويصح ولكن يُعد سلامة بناء الدولة العَلمانية الديموقراطية التي تحتضن الجميع وتحميهم بخلاف أي خرق بنيوي كما يجري اليوم لا يشهد الناس سوى استشراس وحوش ترتكب كل موبقات الجريمة على حساب الشعب حيث السلطة للإنفلات والإفلات من العقاب!
إننا المطالبة بتقديم المجرم للعدالة يسبقها إعلاء كلمة القانون ومأسسة الدولة وتمسك بنهج العلمنة حيث رجل الدين ليس خيمة لمجرم ولا يملك فتوى فوق وجود الدولة وأشير من الأمثلة لمن يبرر وجود الميليشيات بفتوى ما يسميه المرجعية الدينية وتلك الفتوى تصح فقط بحدودها الدينية التي لا تتعارض وبنى مؤسسات الدولة بوقت أي وجود ميليشياوي من أي شكل ونوع هو خرق بنيوي يلزم إنهاء وجوده فورا بوصفه تعبير عن تفكيك الدولة وتسليم رقاب الأبرياء من الشعب لبلطجة تبيع وتشتري والمثال شاخص بزيارات قادة ملالي دولة ووزراء حرب دولة أخرى من جناحي إسلام سياسي لا يخفي أطماعه في التحكم برقاب الشعب وإفناء العراق: ألم يقطعوا الماء عن العراق وأهله والماء منه كل شيء حي!؟ ألا يعني ذلك بوضوح جريمة إبادة !؟؟
تذكروا القضية مركبة ولا تقف عند حدود بيان أو شجاعة أو أية جزئية بل هي عملية ((تغيير)) نوعية كلية شاملة بخلافها فقد اقترب موعد الفناء والهلاك!!
أما إجابتنا عن أسئلة عنوان المعالجة فتكمن في ولادة جبهة شعبية موحدة لقوى التنوير والتغيير واتفاقها على أرأس الأهداف القادرة على إنجاز المهمة بأقل الخسائر…
إليكم النداء: فلنتفكر ونتدبر