حج بيت الله الحرام يشكل واحداً من أركان الدين الخمسة مطلوب من كل مسلم ومسلمة القيام به حين يكون قادراً على ذلك مالياً أو صحياً. وهذا الطقس الديني لا يمكن لأحد أن يمنعه أو يقلل من أهميته عند المؤمنين والمؤمنات بدين الإسلام. وكل عام يؤم الملايين من المسلمين والمسلمات من سائر أرجاء العالم مكة لأداء فريضة الحج. والكثير منهم يمارس العمرة حين يتسنى له ذلك. وعند عودة الحاج إلى عائلته وأحبته يُستقبل بالترحاب وتُقدم له الهدايا ويُنحر له خروفاً تيمناً بعودته حاجّاً. ويحمل الحاج معه هدايا لأهله وجيرانه وبعض الأصدقاء. ويتمنى له الناس حجَّاً مقبولاً وجهداً مشكوراً، وأن يغفر له الله ذنوبه. كان هذا حين كان بسطاء الناس يقومون بالحج وهم في الغالب الأعم لم يرتكبوا خطايا كبيرة تؤذي شعباً ووطناً. ومنذ سقوط الدكتاتورية الغاشمة ووصول الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية إلى السلطة في غفلة من الزمن بدأ أعداد الحجاج في تزايد، وخاصة من جانب المسؤولين في الدولة العراقية حتى في أشد فترات الأزمات التي مرَّ بها الشعب، بما في ذلك سنة الاجتياح والاستباحة والقتل والاغتصاب لنساء العراق وبيعهن في سوق النخاسة والتهجير القسري والنهب والسلب والتدمير لتراث وآثار وحضارة العراق القديم والحديث من جانب قوى الإرهاب والتطرف الشريرة، عصابات داعش ومعهم جمهرة من البعثيين العسكريين الأوباش. كما إن 160 مسؤولاً أمّوا مكة هذا العام، رغم معاناة خزينة الدولة من شحة الأموال وتفاقم المصاعب في توفير السلاح للحرب الجارية، حتى راح رئيس الوزراء يرجو الشباب أن ينتجوا له أجهزة تكشف عن الأسلحة في نقاط التفتيش لأنه لا يملك مالاً لشراء الصالح منها وليس المغشوش، كما حصل في حكومة المالكي السابقة، أو التبرع لمساعدة النازحين الذين يعانون من البؤس الفعلي غير الإنساني. المواطنون والمواطنات بالعراق هم في استغراب شديد، ترتسم الحيرة على وجوههم، هم في ضنك معيشي شديد، يطرحون على هؤلاء المسؤولين الذين هم في مكة الآن للحج، وهم أعضاء في مجلس النواب أو أعضاء في حكومات سابقة أو حالية وأعضاء في أجهزة القضاء أو في مؤسسات قطاع الدولة وفي وزارة الكهرباء والمسؤولين في التجارة وعقود الأسلحة … وفي ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد، أسئلة كثيرة منها: هل يمكن أن يكون حج بيت الله الحرام مقبولاً من مسؤولين حين تكون خزينة الدولة مفلسة والحاجة ماسة إلى المال لخوض القتال ضد أعداء الوطن الدواعش والبعثيين المسلحين في محافظات العراق المحتلة من قبل هؤلاء الأوباش، أم الأصح والأصلح أن يتبرع المسؤولون بتكاليف الحج إلى خزينة الدولة لتستخدمها في تأمين المال الضروري للمعركة، أو التبرع بها لتوفير الخبز والتمر واللبن والحليب للعائلات النازحة؟ هل إن حج بيت الله الحرام مقبول من أفراد لم يَعلِن حتى الآن عن حجم ثرواتهم المنقولة وغير المنقولة ليبرءوا ذمتهم من التهم الموجهة لأغلب مسؤولي العراق بأنهم يلتهمون يومياً السحت الحرام، والشواهد كثيرة على ذلك؟ هل إن حج بيت الله الحرام مقبول من أشخاص لم يملكوا شروى نقير، واستطاعوا الآن شراء قصورٍ كبيرةً بملايين الجنيهات الإسترلينية في واحدة أو أكثر من عواصم العالم الغربي أو في الإمارات العربية أو حتى بالعراق؟ هل إن حج بيت الله الحرام مقبول لمسؤولين عرباً أم كُرداً أم غيرهم لم يطعموا فقيراً ولم يرحموا يتيما ولم يأووا مسكيناً مشرداً وجيوبهم وحساباتهم المصرفية مليئة بالمال، وفيه الكثير أو كله من السحت الحرام؟ هل إن حج بيت الله الحرام مقبول لمسؤولين يتآمرون على عملية الإصلاح السياسي والتغيير لصالح المواطنات والمواطنين، رغم تأييد مرجعيتهم الدينية الشيعية أو مؤسساتهم الدينية السنية لتلك الإصلاحات؟ هل يمكن أن يغفر الله ذنوب من تجاوزوا على المال العام وعلى مصالح الشعب ودعوا للفتنة بين المسلمين السنة والشيعة وضد أتباع الديانات الأخرى بمجرد قيامهم بزيارة بيت الله الحرام، أم المفروض أن يقدموا إلى المحاكمة؟ هل يمكن أن يغفر الله ذنوب المسؤولين وهم يعتبرون المال هو ربهم الأعلى الذي لا يعبدون غيره، رغم حرق جباههم التي اسودت من كثرة السخام، أو تركوا لحاهم تطول لتغطي على دناءتهم؟ لنتذكر قول الصحابي أبو ذر الغفاري: “عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهراً سيفه”. وها هي الشبيبة تتظاهر بأسلوب سلمي وديمقراطي في أنحاء العراق وتطالب بالإصلاح والتغيير الجذري قبل أن يُجبر الناس على الخروج شاهرين سلاحهم بوجه الفساد والإرهاب والمحاصصة الطائفية، إذ إنها الفساد بعينه. ولنتذكر أيضاً ما نسب إلى الإمام علي بن أبي طالب قوله: “من ضيع الأمانة ورضي بالخيانة فقد تبرأ منه الدين”. فهل أنتم متعظون؟