عبد الجبار الحمدي
ما كان لي ان أقف هذا الموقف، لكن شاءت الأقدار ان ألبس اساور من حديد، صدقوني لم يكن بيدي حيلة ولكني أعيش خارج قوسين عما يدور حولي.. فالمسالة أني مثل حبة حنطة طحنت برحى الزمن دون رحمة لأن مالكها لدية السلطة والقدرة على ذلك، فما كان عليه والدي هو السبب، لكن هي الحياة تلف بورق صحيفة كل وليد يولد في تلك المحلة البائسة.. سارعت خطاها الليالي ولفتني المساءات حتى بلغت من العمر ما جعل الرجل يتساقطون عند حذائي الذي ارتديه يتسابقون لنيل رضاي، لا اخفيكم كنت ملكة وأنا أراني ألطم هذا وأبعد ذاك وأزج بمن أريد الى خارج المكان.. حتى في ذات يوم سمعت ان والدي قد قُتل في صراع على قنينة خمر.. أو هكذا أُشيع، يا للعار قنينة خمر وجسد عاهرة، مرت مسألة قتله مثل فك رحى الأيام حين يدور تطحن كل ما يصل الى فمها هي الايام وديدن الكار الذي ولدت فيه، حزنت أم لم أحزن المسألة في داخلي ميتة في الأصل فلا مشاعر أبوة عشتها ولا أحاسيس بنوة تمتلكها نفسي غير أني اختليت لبضعة أيام مع نفسي فَصَلت لي حياتي كأنها أوقفتني على جبل أشاهد كيف كنت أحياها وأعيشها والنسيج الاجتماعي الذي ولدت فيه، فلا تعليم، ولا حلم، ولا شرف، ولا كرامة مجرد حياة نفاق وخراب وجريمة تدمير للانسان.. الإنسان همست نفسي ماذا تعرفين عن الانسان؟؟ وجدتني لا أفقه الرد فابتلعت لساني وراودتني فكرة الخروج الى العالم النظيف الآخر، كيف واتتني الفكرة؟ ولم طرأت في عقلي؟؟ لا أعلم السبب؟؟؟ سارعت في تلك الليلة وقبل أن أذهب جلست مرة ثانية أردد على نفسي مخاطر ما أنوي فعله وطلبه، غير أن هناك من يدفع بي للهروب الى خارج العالم الموبوء كما سمعتها تسميه نفسي بعدها ابتلعت التسمية غير عارفة بمعناها الحرفي، فذهبت الى صاحب الرحى الكبير الذي كان يحيط به كوكبة من رجال عصابته، رحب بي وحاول ان يواسيني بلعابه الذي يتساقد من فمه العفن بعدة كلمات، كنت أعلم بداخلي أنها كاذبة تصدر من منافق مرائي.. وما ان أفرغ بما على لسانه حتى قلت دون مقدمات أريد ان اعيش خارج هذه البيئة، أريد ان أرحل عن عالم الوضاعة والفساد والمومسات والجريمة.. فجأة صمت الجميع كأن على رأسهم الطير، الجميع يتطلعون الى ما يخرج من فمي وعلى لساني حتى أفرغت مافي جعبتي من مفردات لم أعي صداها أو شدة وجعها، فجأة دوت ضحكة منه التي كانت على شكل قهقهة عالية ثم تبعه قطيع الخنازير يضحكون على قهقهته وهو يترع من زجاجة الخمر ما يجعله يختنق بالخمر ولعابه المتطاير.. فرمى بها بعيدا وقد اصابت أحدهم فذهب يتلوى، فجأة!! أمسك بيدي وهو يقول:
أكملي يا حلوتي أو أعيديه ثم دعيني أسمع ما قلته قبل قليل.. أتريدين الخروج من عالمك؟ علم ابوك وقبله جدك ومن قبله امك وجدتك.. أي هراء هذا!! إنك يا فتاة مُلكي وأمر حياتك وحتى أنفاسك هي رهنا برغباتي، تركتك على سجيتك لأن عاهدت الحقير والدك أن لا اقترب منك إلا حين يموت.. كثيرا من الليالي كنت أتحرق وأنا أرك تنضجين كثمرة من التوت، صارعت رغبتي وطويتها الى أن فاض بي ومات أبوك الحقير، وقد مَنيت نفسي بك، ستكونين جارية بين يدي تنفذين رغبتي كيفما أشاء وأشتهي وها أنت تلقين بالترهات رغبة منك في ترك كارك وكارك اهلك القذرين.. اقسم لولا أن لي رغبة بجسدك لكنت قتلتك بيدي.. لا.. لا أوسخ يدي بل بيد أي خنزيز من هؤلاء..
جميع من يسمعونه يتحدث يبتلع لسانه دون أي يُحدث صوت زفير أو شهيق.. كان الحنق يغمر وجهه وهو يفرك أصابعة برأس الخنجر الذي في خصره.. لم أعي المشهد بكل السيناريو المكتوب عن القدر صرخت في وجهه.. ماذا تقصد يا ابن الكلب؟؟ هل أنت من قتلت والدي؟ كي تفرغ لك الساحة حتى تمتلكني؟
– أظنك فهمتي الآن، سنين وأنا اتجرع الشهوة سم زعاف، أرى الرجال يحيطون بك كالذباب وأنت تهشينهم بعيدا عنك، لكنهم يعاودون الطنين حولك.. كنت قوية جسورة حتى في ذات مساء حاولت وعرضت شرائك من والدك الذي رغم أنه كان سكرنا إلا أنه رفض بشدة وهددني إن أقتربت منك سيقتلني وقبل خروجه صفعني بقوة.. شعرت بالإهانة ولأول مرة في حياتي.. كانت رغبتي بقتله قوية وأجلتها، وأجلتها لأن والدك كان يدفع لي أتاوة كبيرة كي يبقيك على ما أنت عليه، قلت فليكن لوهلة لغرض في نفسي فهذا الحدث لم يعلم به سوانا أنا وهو.. إبتلعت مرارة الصفعة وشحنت الغريزة الى الدفع بأحدهم لقتله، وكان الأمر وها أنت بين يدي ملكا لي وتتحدثين بالترهات عن ترك بيئتك بعيدا عن رغبتي وشهوتي ومشيئتي أمجنونة أنت!!؟؟ أقسم سأقتلك وقبلها سأغتصبك إرضاء لنفسي وشهوتي.. أشار الى بعض رجاله بأخذي بعيدا الى غرفته التي لا يدخلها إلا من يريد أن يضاجعها.. بل يغتصبها حاولت الفرار من بين أيديهم لكن كيف وأنا بين رجال ديدنهم الجريمة وإطاعة الأوامر، سحبوني بقوة حتى أدخلوني غرفته، رموا بي على فراشه.. مر شريط حياتي فوجدتني أني لا زلت فتاة باكر، لم أعلم أن والدي كان يدفع أتاوة لحمايتي وبقائي فتاة عذراء.. جننت وصواعق الغضب تضربني وأنا أصرخ حقراء مجرمين سفلة.. لكن صراخ في حانة تدوي بالصخب والجلجلة.. دخل ذلك الشيطان وهو يمسك بقنية الخمر يلوح لي بالقول ستخضعين لي كالجارية، سأجعل منك ملكة لزمن ومن ثم سأحولك الى عاهرة من الدرجة الأولى أو ربما أبيعك الى أحدهم.. أظنهم سيدفعون لي بك مبلغا طائلا.. كانت ردة فعلي اني قمت بالتف في وجهه القذر والصراخ محاولة الهرب لكن أين للفريسة من هرب وهي في قفص المجرم المرتزق.. هجم علي تملصت منه، لكنه أمسك بي، عنفني وضربني حتى تراخت عضلاتي، أسلمت نفسي لواقعها كانت أنفاسه نتنة ورائحة جسده ينفر منها الخنزير، قاومت دفعت به في محاولة بائسة قاومت .. وقاومت لكن محاولاتي بائت بالفشل، شعرت ان خطيئة والدي ووأمي وتلك المنطقة قد دفعت بي كي أكون بذرة خطيئة، وها هي أنفاسي المتقطعة تشهد بذلك.. أفرغ جنون هوسه على جسدي بعد أن مزق ثيابي وجعلني عارية، كالحيوان سارع بنزع ثيابه ثم رمى بنفسه عليّ وأنا أشاهد وأسمع خنخته دون حراك أو ردة فعل بإرادة أو دون إرادة.. فجأة تلمست يدي الخنجر الذي كان في خصره قريب مني على الفراش فأمسكت به ودون تردد أو شعور بخوف، غرزته في خاصرته مرة وأخرى حتى تغطيت بدمه وانا أصرخ الى الجحيم بك أيها الخنزير الى الجحيم يا حيوان يا قاتل أبي..
– لم أعي بعدها إلا، انا اقف أمام ضابط شرطة مرتدية أساور الحديد، يحقق معي عن الجريمة التي إقترفتها لا عن الجرائم التي أقترفها من قتلت والبيئة التي كانت تحت العيون المغمضة للقانون.
***
القاص والكاتب: عبد الجبار الحمدي
