أنا وعنكبوت و زنبارة
إني امرأة أكتب كما أحب دون تقيد بوقت أو قضية, رغم أنَّ الدماء تملأ حروفي. هكذا أنا أقبع في موقعي منذ عقود غير آبهة بسنين تنساب ملتفة حول عنقي قاطعة أنفاسي يوما بعد يوم . دفاتري صغيرة جدا وكلماتي مستوطنة فيها بهدوء . يا اآآاه.. كم أكره بيوت العنكبوت المتلصص في غرفتي, يالإصراره على العودة بعد كل هجوم أشنه عليه وكأنه شريكي في الغرفة. سأباغته الان بصولة مميتة, هجمتُ وهدمتُ بيته لكن اللئيم هرب تاركا أنثاه تموت بمكنستي, يا له من جبان. نسيت الأمر ولم انتبه إليه يراقبني ومعه عشيرته كجيش جرار من كل الصنوف, صرت انظر إليهم بدهشة يلتفون من حولي مستعدين لرد الهجوم. انطلقت الخيوط تتلقفني, كم هي قوية وكريهة لزجة. وفقدت قدرتي على الحركة والنطق من صدمة ما حدث, كما يقال هجوم مباغت. تقدم مني العنكبوت المنتقم وهمس لي وقد اشمأزت نفسي من شعيراته تمس وجهي فتقيأت.
قال: أيتها الكاتبة المتنمرة الغبية لقد حققتِ ما أريد بما فعلتِ من قتلك أنثاي أنها بنت ملك وهذه الحشود من حولك صارت بإمرتي لأغزو وأهدم وأقتل. سأحقق حكما ما حلمت به عناكب من قبل , أنت أسيرتي الان وستحيكين بخيوطي حروفا وكلمات تنتشر لتشنق كل بني البشر, أريد فقط حروف العلة والجرّ لا غيرها, وان رأيت ما لا أريد سأجعلك تفقسين بيضا من مسوخ رائعة للعناكب.
أصابني الإعياء مما همس, ورائحة القيء وكثافة العناكب من حولي تجلسني وعنكبوت يترك نفسه كقلم بيدي وصرت أحركه بحركة الحروف المطلوبة بتواصل, فامتلأ المكان بنسيج غريب حي يتحرك كمخلوقات عبثية تترصد الناس لتلتف تخنق و تميت بخيوط لا تنقطع. وكانت رائحة العفن البشري تصل إلي وهجرني الموت والخلاص. دخلت زنبارة سوداء ذات أجنحة أرجوانية إلى الغرفة وقد هالها ما قام به العنكبوت فهجمت عليه فجأة فأنقلب على ظهره فطعنته بزبانها في رأسه فأصابته بالشلل فعجز عن الحركة وهرب جيشه تاركا إياه وحيدا مع طعنة أخرى.
قالت الزنبارة: ما أضعف البشر, إني ملكة الكل لا محالة. أيها العنكبوت المقيت ستموت من طعنتي خلال ساعة أو شهر ربما وكلاهما جيد لتكون طعاما لصغاري. نظرت الزنبارة إلي بصمت ثم قالت: أما أنت فدعي حروفك تفك عنك القيود او لتكوني مشروعا للأكل.
قلتُ وقد عادت جرأتي: هكذا إذن؟ اعلمي يا زنبارة أن العنكبوت لا يأكل الموتى.. ولسعتك لا تقتلني.
ابتهال خلف الخياط