صائب خليل
7 نيسان 2012
مازالت الولايات المتحدة مستمرة في جهودها المستميتة منذ احتلالها للعراق، على إعادة حزب البعث إلى الحكم لا يمكن فهم تصريحات سفير الولايات المتحدة الأمريكية جيمس جيفري في مؤتمره الصحفي الذي عقده في محافظة البصرة، ودمجه الحديث عن ضغوط أمريكية لـ “مساعدة” العراق في الخروج من الفصل السابع مع ضغوط تمارسها “لحل الأزمة السياسية الداخلية”، إلا بأنه تهديد شبه مباشر باستمرار استعمال ورقة الفصل السابع للضغط على العراق من أجل الهدف الأمريكي المتمثل في إعادة البعث إليه عنوة .
وقال جيفري “إن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دورا كبيرا في العراق لحث الكتل السياسية من اجل التوصل لاتفاق مشترك قد يضمن حالة من التوافق السياسي”.
مشيرا “إلى إن بلاده ترى إن الحل يكمن في تقديم التنازلات واللجوء إلى الحوار المشترك لحل الأزمة العالقة” .(*)
ورغم أن تلك الجهود لم تتوقف لحظة واحدة منذ تواجدها على الأرض العراقية، متمثلة أولاً بإصرارها على فرض أياد علاوي رئيساً للحكومة الأولى التي عينتها قبل الإنتخابات، ومشروعه الواضح في إعادة بقايا ضباط الأمن الصداميين دون غيرهم إلى السلطة، ثم بلغت تلك الجهود قمتها حين تدخلت السفارة الأمريكية بشكل مباشر وعلني في الضغط على الهيئات التشريعية والقضائية تحضيراً لانتخابات 2010 ، لفرض قبول عدد من الشخصيات التي تم إبعادها من المشاركة بواسطة قوانين المساءلة والعدالة، والتي وصل الأمر فيها أن تهدد الحكومة العراقية السفير الأمريكي بالطرد من العراق، وهي سابقة لم تحدث سوى مرة واحدة، رغم كثرة الشكاوى السابقة، الحكومية وغيرها، من كثرة التدخلات الأمريكية السابقة في شؤون الحكومة. وبعد الإنتخابات قامت أميركا بعمليات تزوير الإنتخابات كما تشير العديد من المقالات للكاتب، وما فضحته النائب حنان الفتلاوي من استلام الجيش الأمريكي صناديق الإقتراع سراً من المفوضية العامة للإنتخابات ، وتم ذلك أثناء المحاسبة البرلمانية للمفوضية، والتي حضر فيها أياد علاوي إلى البرلمان لأول مرة ليقود الدفاع عن المفوضية التي بينت النائب الفتلاوي أيضاً أنها منخورة بالفساد ، ومخترقة بالإرهاب إلى أعلى المستويات.
وكدليل مخيف آخر لعمق الإختراق الأمريكي للنظام السياسي العراقي، قيام أسامة النجيفي، رئيس البرلمان والقيادي في القائمة العراقية، حينها بحجب التسجيل التلفزيوني للجلسة لحظة إشارة النائب الفتلاوي إلى تسليم المفوضية لصناديق الإقتراع للجيش الأمريكي، دون حجبه بقية الفضائح التي طالت المفوضية.
ويأتي هذا الضغط الأمريكي الجديد لفرض إعادة البعث إلى السلطة في العراق، بالإستعانة حتى بمجلس الأمن والفصل السابع، ضمن حملة شعواء ضد الحكومة تقودها الكتلة الكردستانية لفرض شروط الشركات النفطية الأمريكية في العراق وعقودها المجحفة التي وقعتها مع الحكم اللصوصي الإقطاعي في الإقليم. ويعتبر ما يجري في العراق من صراع ، لحظة تاريخية أخرى تعبر فيها تلك الشركات عن سياستها العدائية لأي شعب تتواجد على أرضه، وعلى قدرتها الكبيرة في توظيف سياسيين كثيرين في البلاد من أجل خيانة شعبهم وتمشية القرارات التي تناسبها، كما تبرهن على اختراقها لقوى ومؤسسات أخرى لتضمن مساندتها أو تحييدها في ذلك الصراع. وما استمرار الصراع بشأن عقود شركة أكسون موبيل الأمريكية والحكومة العراقية إلا أوضح مثال على قوة وإصرار تلك الشركات على نهب النفط العراقي ووفقاً لشروط مماثلة لتلك التي قبل بها عملاؤها في كردستان.
ولا تسيطر الشركات الأمريكية على حكومة كردستان وحدها، وإنما تخضع برلمانها لإرادتها أيضاً، فلا يجرؤ هذا على أن يطالب ويجبر الحكومة على عرض العقود النفطية السرية المشبوهة مع تلك الشركات عليه. وهي تجد من أعضاء كردستان في البرلمان العراقي ومعظم أعضاء العراقية، مقاعد أمريكية – إسرائيلية في البرلمان العراقي، لم يسبق لها أن رفضت أي مشروع أمريكي في العراق، إلا حينما لا تجد أي أمل لتمريره، فلا تجد مبرراً لفضح نفسها بذلك الرفض. ومن خلالها سلطتها على كردستان تسيطر هذه الشركات والإدارة الأمريكية بدرجة أو بأخرى على قرارات الخارجية العراقية، إضافة إلى تأثيرها في قمة القرار العسكري العراقي. وكذلك يجد خندق الشركات الأمريكية في أعضاء العراقية سنداً أساسياً، دون إنكار اختراقات كبيرة للغاية في بقية الكتل السياسية على وجه العموم.
وتمكنت الشركات من وضع عملائها هؤلاء في لجنة النفط والطاقة والثروات الطبيعية في مجلس النواب، من خلال رئيسها من القائمة العراقية وأعضاء من التحالف الكردستاني، والتي تقف تماماً في حقيقة الأمر في خندق الشركات الأمريكية والحكومة الكردستانية، وتقدم مشاريع القوانين النفطية التي تسعى الشركات من أجلها والتي تمكنت من فرضها على كردستان، ويمكن لمن يريد أن يراجع مقالات ودراسات عديدة حول الموضوع للأستاذ فؤاد الأمير وكاتب هذه السطور والعديد غيرهما.
ويستعر اليوم صراع شديد بين جبهة الشركات، بكل أدواتها الكردستانية و “العراقية” من جهة، وجبهة حكومية غير واضحة المعالم، رمزها الوحيد الصريح الذي قبل أن يتلقى الضربات دون أن يخفي رأسه أو يترك الباب مفتوحاً للتراجعات كرئيس الوزراء أو بقية أعضاء الحكومة، هو حسين الشهرستاني، والذي يركز بطبيعة الحال أفراد تلك الجبهة هجومهم عليه بكل ما لديهم من أدوات، نظيفة وغير نظيفة.
وفي خبر غريب من نوعه يظهر علينا شخص باسم “أبو عبد الله المحمداوي” يأمر الكرد بالخروج من كافة محافظات العراق، ويعطيهم مهلة لذلك! إن مثل هذه الحركات التي لا يمكن أن تكون جدية، يمكن أن تخدم، بمساعدة الأذرع الأمريكية كورقة ضغط وحجة لإبقاء العراق تحت الفصل السابع، وإجباره على التنازل وقبول شروط الشركات النفطية الأمريكية ، مقابل إخراجه منه، أو حتى مقابل “وعد” بإخراجه منه.
ولا مفر من أن يحتار العراقي متسائلاً: من الذي يبقيه ضمن الفصل السابع؟ وكيف تحول ميثاق الأمم المتحدة من ورقة عمل من أجل حماية السلم العالمي وحقوق الإنسان، إلى أداة للضغط على الشعوب من أجل إخضاعها للشركات الكبرى وعملائها؟
أما بالنسبة للسؤال الأول، فمن يستطيع أن يبقي العراق أو يخرجه من الفصل السابع هم أعضاء مجلس الأمن، فمن منهم يعترض على إخراج ضحايا صدام، من نير قرار تم إقراره لإخراج صدام من بلاد أحتلها؟ من يمكن أن يكون بهذه الدرجة العلنية من النفاق أمام العالم؟
لو سألنا هذه السؤال لما وجدنا جواباً محدداً. فالكويت غير قادرة على إبقاء العراق أو أخراجه من القرار، والوحيدون القادرين حقاً على الإعتراض على أخراج العراق هم الأعضاء الدائميين، أصحاب “حق” الفيتو في المجلس. فمن منهم يعترض حقاً على إخراج العراق؟ فرنسا؟ بريطانيا؟ أم روسيا أم الصين؟ أم أميركا التي أكد سياسيوها على العكس من ذلك، بل على جهودهم لـ “مساعدة” العراق للخروج من الفصل السابع؟ أميركا تريد “مساعدتنا” منذ سنين، فإن كان الكويت غير قادر على منعها حتى لو أراد، فمن الذي يمنعها ويقف بوجه رغبتها بمساعدتنا إلى هذا الحد؟
إننا لن نعرف الجواب، ولن نتمكن أن نعرف من يستمر بخنقنا، لأن هذا الأخير نجح في منع الدعوة للتصويت على مثل هذا القرار. فوزير “خارجيتنا” الذي برهن خلال المعاهدة الإستراتيجية وسواها أنه ليس سوى موظف صغير في السفارة الأمريكية، لم يكتف بالإمتناع عن طلب مثل ذلك التصويت لنفهم منه اين نقف، بل وقف بصراحة بوجه محاولة عربية لدعوة المجلس لإخراج العراق من ذلك القرار، مثلما منع العميل أياد علاوي المجلس من تخفيف الشروط العسكرية على العراق عندما ذهب إليه مع كولن باول طالباً منه أن يترك أمر الشعب العراقي بين أميركا والحكومة العراقية (يعني هو)، أي بين أميركا وعملائها، فكان له ما طلب. وهكذا صمد هذا القرار الذي لم يعد سوى أداة دنيئة بيد الشركات الأمريكية والحكومة الأمريكية الخاضعة لها مع جيش عملائها لإبتزاز الشعب العراقي الذي قالوا أنهم جاءوا لتحريره وتسليمه قرارات بلاده من خلال الديمقراطية.
ويأتي تصريح السفير الأميريكي الأخير أعلاه، اعترافاً بالضغوط الأمريكية لإعادة إدخال البعث المتمثل بالقائمة العراقية إلى مركز القرار العراقي، ويأتي تلميحه إلى “مساعدة” العراق للخروج من الفصل السابع تهديداً يكاد يكون مباشرا باللغة الدبلوماسية بضرورة الإنصياع لرغباته في تسليم الأمور لعملائه، وتذكيراً للحكومة العراقية بأنها مازالت تحت رحمته…وستبقى!
لقد استمعنا كثيراً إلى الساسة الأميركان يعدون العراقيين بإخراجهم من الفصل السابع، فكل زيارة لكل مسؤول أمريكي للعراق أو عراقي لأميركا كانت الدنيا تمطر وعوداً بلا خجل من “مساعدة” العراق للخروج من ذلك الفصل، حتى أني أشعر أن أي عراقي يستمع مجدداً إلى تلك الوعود الأمريكية دون أن تراوده رغبة شديدة في البصاق على يكرر الخدعة بوجهه، إنسان يعاني من مشكلة في الإحساس!
إننا في الوقت الذي رفضنا فيه السياسة النفطية المتهورة لزيادة “الإنتاج النفطي” (إقرأ التبديد) بلا حدود التي يتبناها الشهرستاني، وفي الوقت الذي نشارك فيه بقية الجهات السياسية القلق من تزايد تركيز السلطة لدى رئيس الوزراء وما يعنيه ذلك من نتائج قد تكون خطيرة على مستقبل العراق، فإننا نجد أن الطرف الآخر يجر الأمور نحو الطرف الآخر تماماً ويسعى إلى سياسة تنتهي بتحطيم العراق وقدراته النفطية، لذا فإننا نقف في هذا الصراع بكل قوة مع الحكومة رغم ملاحظاتنا السابقة عليها، ونجد من واجب كل المخلصين أن يقفوا بوضوح، ضد هذه المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية بأدواتها الكردستانية و “العراقية” وغيرها، لإفشالها كما أفشل غيرها.
على الحكومة العراقية أن تهب إلى المبادرة، وأن يعلن رئيس الحكومة بصراحة وقوفه بقوة مع موقف الشهرستاني، ولا يتركه وحيداً في المواجهة، ليترك لنفسه حرية التراجع في اللحظة المناسبة له، والتضحية بالرجل إن وجد الحديدة ساخنة عليه. على الحكومة العراقية أن تتوحد في موقفها وبوضوح، وأن تشعر أكسون موبايل والشركات والحكومة الأمريكية بأنها تخاطر بوجودها في العراق إن هي أصرت على السيطرة على ثروته بعقود لصوصية كتلك التي تمكنت من فرضها في كردستان، وعلى سياسته من خلال فرض عملائها على السلطة بحجة الفصل السابع أو غيره.
لو استمعت الحكومة إلى نصيحة الأستاذ فؤاد الأمير لأستغلت الفرصة لإلغاء اتفاقاتها مع شركة موبايل فوراً، والعدول عن سياسة أقصى استخراج ممكن للنفط ، والتي تهدد بتبديد ثروة العراق بلا تخطيط ، وإلى تحطيم الأوبك. وإن لم تستطع الحكومة أن تمثل مصلحة الشعب العراقي في هذه القضية بهذه القوة، فعلى الأقل أن تصارح الشعب بما يحدث وأن تدعوه لدعمها بعد أن تحدد له من هم أعداءه ومن هم أصدقاءه وأن تحدد أهدافاً مقبولة وواضحة بشأن مستقبله السياسي وسياستها الإقتصادية والنفطية، وأن تفكر بطريقة لإبعاد سلطة الشركات عن الخارجية العراقية ودعوة مجلس الأمن للتصويت على الفصل السابع ليفهم العراقي من هم أصدقاءه ومن هم أعداءه، ومن هم الذين يسعون “لمساعدته” على الخروج من ذلك الفصل السابع!