رباح آل جعفر
في الذكرى العاشرة للغزو الأميركي للعراق . تذكرت صرخة محمود درويش في مديح الظل العالي :
أمريكا هي الطاعون .. والطاعون أمريكا ..
نعسنا فأيقظتنا الطائرات ..
نفتح علبة السردين تقصفها المدافع ..
نحتمي بستارة الشبّاك ، تهتزّ البناية .
وها قد مرت عشرة أعوام ثقال منذ أن وقف الرئيس بوش ، يلعب بالكلمات ، ويعبث بالأوطان ، ويعدنا بنبوءته ، بأن السيوف ستتحول إلى محاريث ، وأن الطائرات ستنقلب إلى حمامات بيض ، وأن الدبابات ستتحول إلى قطعان من الغزلان ، وأن تلّ الفردوس على ضفة نهر في العراق .
اكتشفنا الفرق الكبير بين الحمامة والطائرة . بين المحراث والبندقية . بين الغزال والدبّابة . بين تخطيط لبناء وطن ، وبين خطة لاحتلال وطن !.
كانت السماء تهطل علينا مطراً أسود . كانت المآتم أكثر من مواكب العرس . كانت الدموع أضعاف الابتسامات . كان الشهداء أكثر من الشعراء . رأينا من الذئاب الجائعة تنهش في لحمنا ، ووجدنا الذئاب الكبيرة التي تبحث عن شاربين من نخب دمنا المطلول .
واليوم ، في غير السياسة ، بل أبعد ما يمكن عن السياسة ، ما الأغنيات التي يمكن أن تتردد على شفاه العراقيين سوى الآهات والتنهدات والهمسات ، وعيونهم تذرف الدموع في المواكب الحزينة ؟.
ليس من المبالغة القول : أن كلّ عراقي يحفل بغصّة ، ويحتفظ لنفسه وللتاريخ بحكاية سوداء مع جيش الاحتلال . كلّ واحد منهم يستطيع أن يؤلف كتاباً يروي قصته ، فصولاً من تراجيديا طويلة ، لم يكتبها هوميروس في ( الإلياذة ) ، ولا خطرت في الكوابيس على بال دانتي في ( الجحيم ) .
تحوّلت محاريث بوش إلى سيوف تأكل من أجسادنا ، وانقلبت الحمامات البيض إلى طائرات ، ورفع القتلة أنخابهم المليئة بدمائنا ( وعرفنا ما الذي يجعل صوت القبّرة خنجراً يلمع في وجه الغزاة ؟.. وعرفنا ما الذي يجعل صمت المقبرة مهرجاناً وبساتين حياة ) ؟.
في الذكرى العاشرة للاحتلال مطلوب من العدالة الدولية لو كانت موازين العدل مستقيمة محاكمة بوش الصغير والحكم عليه بالإعدام ألف مرة ، وشنقه بحبال مأساة العراقيين وفواجعهم .
مطلوب محاكمة جميع الأوباش والصغار من الأوغاد الذين دبّروا ونفذوا الجريمة . لا بد من تسمية الأشياء بأسمائها . فيقال عن المجرم إنه مجرم ، ويقال عن الخائن إنه خائن ، ويقال عن العار إنه عار .
وإذا كان بوش يستحق ألف حبل للشنق ولا يشفي غليل المظلومين ، فإننا نحتاج إلى ألف سنة قادمة لكي ننسى فظاعة الجريمة .. ولن ننسى !.