فرج ياسين
منْ أعجب ما حصلَ في غابةِ (بَرَعْ) الكبيرة ، أنّ أسدا ً غمرا ً منبوذا ً ، لا تأمنه الحيواناتُ ولا تقتربُ منه ، وتزْدري حضورَه في مجالِسها وولائِمها و شؤونِها المختلفة .
ذلك الأسدُ نجحَ في إغواءِ عددٍ من الوحوشِ في مجلسِ الحكم ، فانخرطوا معه في حزبٍ وليدٍ ملامحُه غامضةٌ ومبادئهُ مريبة .. وفي زمنٍ قياسي ، تضاعفَ عددُ المناصرين له والموالينَ لمنهجه ، إذْ قيل أنه اتّبع سياسةَ البذلِ المفرط والعنف والتّخويف والإذلال بوسائلَ شتى ؛ فهُرعت أُمَمُ الأفيالِ والنمور والذئاب والخنازير والثعالب والأطيار .. جميعُ الحيوانات والدواب في غابة (بَرَعْ) الكبيرة لنصرته ؛ فَتُوّج ملكاً .
بعد توليه الحكمَ ، عَرف الجميعُ أنّ سيّدَهم مولعٌ بالمديح ؛ فأخذ شعراؤهم يدبّجون فيه القصائدَ ، ثناء ً و تمجيدا ً وتولّها ً بهيبتهِ وهيْئتهِ وعنفوانه . وما أنْ انصرمَت عشرُ سنين من حكمه ؛ إلاّ وأصبح نصفُ شعب غابة (بَرَعْ) شعراء .
ذاتَ يومٍ شاهد الأسدُ الملك صورتَه في صفحةِ نُهيرٍ يمرّ في الغابة ، فهاله أنّ وجهَه شائخٌ بغيضٌ ، وقوائمَه معْوجّةٌ جرباء ، ولُبدتُه منتوفةٌ كالحة ؛ فتلفّتَ في كل اتجاه مخافةَ أن يراه أحد ، ثم بَصقَ على صورتهِ التي في الماءْ .