أكاديميات وباحثات مساهمات في إثراء المشهد الثقافي النقدي والبحثي الفلسطيني
بقلم: شاكر فريد حسن
تشكل المرأة نصف المجتمع، فهي ركن هام من أركان المجتمع وعليها يقع العبء الأكبر في تقدم الحياة واستمرارها، لذا كان لها دورها في إبراز ثقافة المجتمع والحفاظ على الهوية الثقافية ورفد الحركة الأدبية والثقافية بالإبداعات المتنوعة.
وللمرأة دور فاعل ومفصلي في الفعل الثقافي والنهضة الأدبية، ومنذ القدم هي حاضرة في المؤسسات الثقافية، ولم يكن حضورها هامشيًا، وإنما كانت تشارك وتحضر بشكل لافت وتؤثر بصورة كبيرة في مفاصل الحياة الأدبية والثقافية، وأكبر دليل على ذلك الخيمة التي كانت تضرب للخنساء ليأتي الشعراء لها فيزجون شعرهم عندها كي تحكم عليه، كذلك لا ننسى الصالون الأدبي للكاتبة النصراوية اللبنانية مي زيادة الذي كان يستقطب شعراء وأدباء ذلك العصر.
والمرأة الفلسطينية لها دور كبير في مجالات الحياة، والمساهمة في صنع التاريخ الفلسطيني، والمشاركة في معارك التحرر والاستقلال الوطني، وصيانة الهوية الثقافية الوطنية الفلسطينية وتعزيزها.
وقد أصبحت المرأة الفلسطينية ترتاد المؤسسات الثقافية وتشارك في الحراك الأدبي والاسهام في النهضة الثقافية، وباتت جزءًا من مشهد الكتابة والإبداع.
والمشهد الفلسطيني لا يخلو من بصمة المرأة الفلسطينية على أنواعها، وغنى تجربتها وقدراتها. كذلك لا تخلو جعبة الإنتاج الثقافي من إبراز لدور المرأة وأهمية ما تقوم به الأديبات والمثقفات والأكاديميات الفلسطينيات الرائدات من اسهامات أدبية وثقافية.
والناظر في واقع وتاريخ الحركة الأدبية والثقافية الفلسطينية في الداخل 48، يجد أن مساهمة المرأة حتى السبعينات كانت ضئيلة جدًا في الحياة والأنشطة الثقافية، نتيجة الظروف الاجتماعية القاسية التي كانت تكبلها وتقيدها بأغلال وأسوار حديدية، ولم نعرف سوى أسماء قليلة أثبتت حضورها في مشهدنا الثقافي، ومن أوائل هذه الأسماء في مجال الكتابة القصصية المرحومة نجوى قعوار فرح ابنة الناصرة، وسعاد قرمان من ابطن أطال اللـه عمرها. وبقينا على هذا الحال حتى السبعينات حين ظهرت الكاتبة ابنة طمرة فاطمة ذياب وهيام قبلان وشوقية عروق، وفي مرحلة متأخرة عرفنا اسمهان خلايلة ونهاية عرموش ونداء خوري وسلمى جبران وأميمة جبارين وايمان مصاروة ورقية زيدان، وغيرهن ممن برز في أعمالهن نضوج اجتماعي وسياسي ومقدرات إبداعية مع تميز كل منهن بحسب الظروف الخاصة بهن، والتي أثرت على تجاربهن وتفاعلاتهن المتصادمة مع الواقع الاجتماعي والسياسي بشكل أو بآخر.
وبعد ظهور شبكات التواصل الاجتماعي شهدنا اكتظاظ الساحة الثقافية والأدبية بالكثير من الأقلام النسائية التي لا تحصى ولا تعد، في مجال الشعر والخاطرة والقصة القصيرة وأدب الطفل.
واللافت انه في السنوات الأخيرة برز جيل من الأكاديميات الباحثات من بنات ونساء مجتمعنا، اللواتي ولجن عالم وفضاءات الدراسة والبحث الأدبي والنقد العلمي الاكاديمي، ويسهمن في الكتابة بغزارة وكثافة، ويشاركن بمداخلات أدبية ونقدية في الندوات الثقافية والمهرجانات الأدبية، وهذا مؤشر ودليل تغيير إيجابي. ونذكر من المساهمات في رفد وإثراء المشهد الثقافي الفلسطيني في الداخل 48، كلّ من الشاعرة والباحثة إيمان مصاروة صاحبة الكتب والمؤلفات العديدة، وما أنجزته عن أدب السجون وتجربة الشاعر عبد الناصر صالح وعدد من الكتاب والمبدعين، ود. هيفاء مجادلة ابنة باقة الغربية التي كتبت الكثير من الدراسات الأدبية وفي مقدمتها دراستها الهامة “هموم المرأة العربية في أدب ليلى عثمان”، ود. كوثر جابر قسوم التي صدر لها دراسات وأبحاث متعددة في اللغة العربية وقواعدها وأدب الأطفال، أهمها: دراسة التشكيلات المكانية في الرواية الفلسطينية، فضلًا عن دراسات عديدة نشرت في المجلات الأكاديمية، وكذلك د. لينا الشيخ حشمة وهي باحثة وناقدة أكاديمية قديرة وعميقة من شفاعمرو، صاحبة كتاب “أدب السجون”، والناقدة الباحثة الأستاذة الجامعية المتميزة د. جهينة خطيب، صاحبة المؤلفات: تطور الرواية العربية في فلسطين، أدب الأطفال الفلسطيني بين البناء الفني والبعد التربوي، شرفات نقدية في الشعر الفلسطيني المعاصر، فضاءات ثقافية في الأدب الفلسطيني المعاصر، ومرايا نقدية في أدب المرأة الفلسطينية.
هذا بالإضافة للمرحومة د. رقية زيدان، التي أنجزت عددًا من الدراسات، نذكر منها: وجع القصيدة ونبضها، عن الشاعر الفلسطيني راشد حسين، وأثر الأدب الشعبي في الشعر الفلسطيني، وأثر الفكر اليساري في الشعر الفلسطيني، وغير ذلك.
وأيضًا د. رباب حسين، ود. راوية بربارة، ود. علا عويضة اللواتي يتحفننا بين الفينة والأخرى بدراسات أدبية ومراجعات وإضاءات نقدية علة صفحات الملحق الثقافي لصحيفة “الاتحاد” العريقة. فكل الاحترام والتقدير لجهودهن المباركة، وخالص التحيات لكل نسائنا المساهمات في إغناء حياتنا الثقافية والأدبية، وقدمًا إلى أمام.