بقلم الصحفي الروسي ديميتري نيفيودوف
المصدر:
ترجمة عادل حبه
“العداء لطالبان ليس في مصلحة الصين”
(كتبت المقالة قبل سقوط كابل بيد الطالبان ببضع ساعات-م)
دخلت أفغانستان فترة تغير سريع. فبعد أن سيطر مقاتلو حركة طالبان (إمارة أفغانستان الإسلامية) أخيراً على غرب وجنوب البلاد، تمت السيطرة على هرات وقندهار في غضون أسبوع ، نجحوا في السيطرة على أكبر مدينة في شمال البلاد ، وهي مزار الشريف حيث هرب حاكمها الجنرال دوستم إلى أوزبكستان، وبعدها سيطر الطالبان على جليل اباد الشرقية. ولم تحصل عملياً معارك كبيرة: فوحدات الجيش والشرطة الأفغانية إما وافقت على نقل السلطة إلى الخصم ، أو تتسرح.
لقد بدأ القتال بالفعل في ضواحي كابول، وأصبح سقوط الحكومة برئاسة أشرف غني قاب قوسين. وأعلن البنتاغون عن نشر مؤقت لقوة عسكرية قوامها خمسة آلاف شخص في كابل بحجة إجلاء بعض البعثات الدبلوماسية، بما في ذلك البعثة الأمريكية. وسينضم إلى الوحدة المهمة العسكرية جنود بريطانيون يبلغ عددهم 600 شخص، الذين عززوا وجودهم في كابول بكوادر مؤهلة من ذوي الخبرة في روسيا وآسيا الوسطى.
في الوقت نفسه، من غير المرجح أن يكمل الغرب “ملحمته الأفغانية”: ربما سيستمر، وإن كان بأشكال مختلفة. وعلى سبيل المثال ، في شكل أنشطة شركات عسكرية خاصة، يُزعم تورطها في نقل مقاتلي الجماعات الإرهابية الدولية من جنوب أفغانستان إلى شمالها. ومع ذلك ، فإن النتيجة الوسيطة لـ “اللعبة الأفغانية الكبرى” قد تكون مختلفة، بسبب التغير في ميزان القوى.
وفي مقابلة حديثة أجريت مع قناة الجزيرة، أشار الممثل الرسمي لدائرة الشؤون الخارجية لحركة الطالبان، محمد نعيم، إلى أنهم بعد وصولهم إلى السلطة، يعتزمون إقامة علاقات متوازنة مع جميع الشركاء. ولا يمكن تفسير هذا الخطاب المنضبط نتيجة نصائح الحليف الرئيسي لطالبان في شخص باكستان فحسب، بل أيضاً النصائح من الصين، التي لديها خبرة كبيرة في الإنخراط في الشؤون الأفغانية عند دعم المجاهدين في الثمانينيات؛ والاتصالات مع طالبان بعد استيلائهم على كابول عام 1996. وتتعاون بكين بشكل وثيق مع إسلام أباد في المفاوضات الأفغانية ومنع التهديدات الإرهابية وفي إطار الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC).
بالرجوع إلى شهر تشرين الأول عام 2018، دعا مولانا سامي الحق ( معلم رئيس طالبان الحالي هبت الله آخوند زاده) الصين إلى لعب دور أكثر نشطاً في أفغانستان، قائلاً إنه لا ينبغي أن تترك “مسألة مهمة” مثل تسوية الصراع الأفغاني للولايات المتحدة. . وقال السفير الصيني السابق لدى إسلام أباد ياو جينغ، متحدثًا في مؤتمر في جامعة بيشاور في أوائل عام 2019، إن طالبان “قوة سياسية لأنهم الآن جزء من العملية السياسية الأفغانية ولديهم بعض المشاكل السياسية … وهي تلعب دورا شرعيا في تسوية سياسية مستقبلية “. وبدأت المحادثات رسمياً في صيف وخريف عام 2019 ، عندما التقى وفد من المكتب القطري لطالبان بقيادة الملا برادار في بكين مع الممثل الخاص لجمهورية الصين الشعبية في أفغانستان، دنغ شيجون. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الاتصالات غير الرسمية مع الصين على مختلف المستويات وتكثفت على خلفية التوقيع في شباط عام 2020 في الدوحة على “اتفاقية السلام” الشهيرة مع الأمريكيين.
ولا تقتصر المصالح الاقتصادية لبكين على استخدام الأراضي الأفغانية لربط الممر الصيني الباكستاني بدول آسيا الوسطى. فقد برزت الصين كمستثمر رئيسي في أفغانستان في عام 2007، عندما فازت “مجموعة صهر المعادن الصينية” ( China Metallurgical Group) بعقد قيمته 3.5 مليار دولار لمدة 30 عاماً لتشغيل منجم “أياناك” للنحاس والذهب في مقاطعة لوغار جنوب شرق كابول. كما استثمرت الشركات الصينية في مشاريع التنقيب عن النفط والغاز وساهمت في تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية. ومنذ بعض الوقت، احتلت طالبان ممر واخان ، وهو قطاع ضيق من الأراضي الجبلية يشكل رابطًا بطول 8 كيلومترات بين أفغانستان ومنطقة شينجيانغ اليوغورية المتمتعة بالحكم الذاتي في جمهورية الصين الشعبية. وفي أوائل عام 2014 ، وافقت كابول ودوشنبه وبكين على القيام بدوريات مشتركة في هذا الجزء الذي يصعب الوصول إليه من مقاطعة بدخشان، والتي يسكنها الإسماعيليون بشكل أساسي، عند تقاطع سلاسل جبال هندو كوش وقراقوروم وبامير. وإلى جانب ذلك، في نية الجانب الصيني لبناء طريق سريع يمتد من كاشغر عبر المقاطعات الشمالية الشرقية والشمالية من أفغانستان مع مخرج عبر مزار الشريف إلى هرات ثم إلى إيران. بعد ذلك، أصبحت الجماعات الإرهابية غير المرتبطة بحركة طالبان، والتي غالباً ما تكون من أصول غريبة ، نشطة بوضوح على المسار المقترح..
وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود طريق، الذي تم بناؤه جزئياً حتى الآن، فإن ممر واخان هو أقصر طريق لهجرة محتملة إلى شينجيانغ لمسلحي الحركة الإسلامية في تركستان الشرقية. وفي ظل ظروف الاهتمام المتزايد للأنجلو ساكسون بـ “قضية الأويغور” ، فإن بكين مهتمة للغاية بوصول القوة السياسية الأكثر ولاء لها إلى السلطة في أفغانستان. ويذكر أنه في كانون الأول عام 2020، أعلن المسؤولون الأفغان الكشف في كابول (بمساعدة المخابرات الهندية على ما يُزعم) عن شبكة تجسس صينية مزعومة، كانت تتعقب “مسلمي الأويغور” لمدة 6-7 سنوات بواسط “شبكة حقاني” ( الجناح الراديكالي لحركة طالبان). ونشرت الحادثة على نطاق واسع في الصحافة الهندية والغربية. وتم التكتم على القضية، لكن نظام أشرف غني الموالي لأمريكا لم يكن شريكاً موثوقًا به للإمبراطورية السماوية ، ناهيك عن حقيقة أنه في ذروة الاحتلال الأمريكي لم يكن يسيطر حتى على نصف البلاد. وبدوره، يحاول المكتب القطري لطالبان التنصل من مخاوف بكين، معلناً عدم التدخل في الشؤون الداخلية لجمهورية الصين الشعبية. وعلاوة على ذلك، رحب المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين بمشاركة الصين في إعادة الإعمار والتنمية في أفغانستان ، ووعد بضمان سلامة الاستثمارات الصينية.
في الآونة الأخيرة ، نشرت الطبعة الصينية المؤثرة من صحيفة غلوبال تايمز الصينية مقالاً جديراً بالملاحظة موقعة من رئيس التحرير، وتم التعبير عن معناه بوضوح في العنوان الرئيسي: ” العداء لطالبان ليس في مصلحة الصين “. وأشار الكاتب إلى التصريح الأخير لوزير الدفاع البريطاني بن والاس بشأن استعداده للعمل مع طالبان إذا وصلوا إلى السلطة في أفغانستان. وعليه، فإن رفض التعامل مع طالبان سيصبح “فخاً دبلوماسياً” للصين يجب تجنبه. وكتبت غلوبال تايمز: “لا يمكن استخدام الدبلوماسية القائمة على القيم إلا إذا كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمصالح الوطنية” ، في مناقشة ضد ” مؤيدي تحويل الصين إلى عدو لطالبان “، وهو أمر ما يصب في مصلحة الولايات المتحدة ولا يعود للصين بالفائدة على الاطلاق مفيد للصين”.
كما كتب مؤسسة راند عن “رواية” بكين مع حركة طالبان الأفغانية ، مشيرة إلى “محاولات الصين الهادئة للدفاع عن مصالحها في أفغانستان في مرحلة ما بعد خروج أمريكا”. حتى وقت قريب، قاومت السلطات الأفغانية بناء طريق بيشاور – كابول السريع كجزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومع ذلك ، فإن إنشاء ممرات النقل سيسهل على الشركات الصينية الوصول إلى الموارد الطبيعية لأفغانستان: إذ يمكن أن تصل قيمة الاحتياطيات وحدها من المعادن النادرة في هذا البلد إلى تريليون دولار.م
وصرح محلل عسكري في مؤسسة RAND إن النوعية الجديدة للعلاقات الجيوستراتيجية بين بكين وكابول بعد تغيير السلطة في أفغانستان ستسمح للصين بتكثيف توسعها الاقتصادي والعسكري في آسيا الوسطى. ولن تتوقف الأعمال العسكرية في “قلب آسيا” لفترة طويلة. وعلى الرغم من حالة الذعر الطفيف بشأن إتلاف الوثائق السرية في السفارة الأمريكية في كابول ، فإن العمل ضد تطلعات الصين في أفغانستان ستكون قاسية وغير مهادنة.