أغصان السخاء..
إلى أديب الأحساء الباذخ: عبد الله الشايب
بقلم/ عادل القرين
خطواتي تختال في مشيتها وأراضيها، والذاكرة تستزيد بطاقتها ومآقيها، والآفاق تستكثر من رجالها ونواحيها.. وكيف بي الآن وأنا أشتم الأنفاس؛ وأُدوزن الإحساس؛ بين أروقة مبناه وكُنه عطاياه؟
أجل، قبل خمسة عشر سنة على وجه التحديد، أخذت أتعكز على مسير دربه، وأتأمل سِربه، ومعاني ركبه، بين حديث هذا وكلام ذاك..
فالأغلب يُردد بين طيات لسانه وبلهجته الحسائية: “شكلك تعرف أبو إليسع”؟!
كان اسمه وما يزال يتمرجح فوق شُجيرات الليمون، وفتنة شفاه الرمان، ولا أنس ثمار الموسم، وحُصن الميسم، فهل للتمر شارة وإشارة؛ أم للنخيل بُغية ومهارة؟
ولذا، حين تتحدث عن الأحساء سوف تجد ثغره ومناره، وساعة مزج الطين، سترى روحه وإعماره حاضرة دون تردد بين كنه الهندسة المعمارية، والكتابة الأدبية، والزخارف الهندسية، والأشعار الوجدانية!
نعم، بعد أن تتابعت المواقع والمُنتديات ذات عُمرٍ مُنصرمٍ، تراهنت الآمال والمقامات على تلك السيرة والمسيرة، فذهبت إليه لأستشيره في ذلك الوقت لطباعة مسوّدة إصداري الأول “سيمفونية الكلمة” عام 1428هـ حيث كان درج مبنى مكتبه الهندسي القديم مُلتوٍ لليسار، بتعاقب المرحلة والاستراحة، إلى أن تتأمل بوابة مكتب استشاراته الزجاجي الشفاف، لتحار نواظرك حينها إلى أيُّ الجهات أسير/ تسير!
دخلت المكتب، وكان في استقبالي مضياف المكان من الجنسية الشرق آسيوية، ولعله من الجالية الهندية، وكانت لحيته كثيفة وبيضاء، ويتسم على ملامحه الهدوء والسكينة..
أنا: السلام عليكم صديق.
هو: وعليكم السلام ورحمة الله.
أنا: مهندس عبد الله موجود؟
هو: (تفزل هو يشوف مهندس داخل ويجي)..
دخلت مكتبه الخاص يميناً، وبه طاولة كبيرة، وعليها غترته البيضاء، وعقاله الأسود، (الطاقية المُشخلة)، وحاسبه الآلي مشرعة أبوابه، ووريقات مُتفرقة الألوان هنا وهناك، وتحوم حول أعواد الكراسي مُخيلة العصافير، ورائحة العراقة تشتمها من بين الكتب المُتناثرة من على تلك “الماصة” المتوسطة بالمكان، وزغب الملائكة المُتناثر لفيض ذاك الزمان!
سُويعات قليلة ومعدودة، وإذا به يدخل عليَّ حاسر الرأس، مُعتذراً عن التأخير بالسلام وجمال المرام!
أخذت أعرفه بنفسي، وفي نبرة صوتي هفوات الارتباك، ولم يُحرز كسر الجمود إلا بالاسترسال لمديحه، فأجابني على وجه الاختصار: “أنا أقل مما ذكرت”!
كانت حماستي عن كتابي واضحة، فزادها حماسةً بكثافة تشجيعه وتوزيعه للابتسامات حتى صيرني إليه!
وخرجت من عنده وكلي طاقة وإرادة، إلى أن طبعت الإصدار البكر بتعداد (2500 نسخة) بأسلوبٍ مُغايرٍ، وغير معهودٍ على الساحة؛ من ناحية العدد وتصنيف المضمون..
حيث أن أغلب (الكتاب، والشعراء، والأدباء بالمنطقة) إلى الآن على أكثر تقديرٍ يطبع الواحد منهم (1000 نسخة) لأي إصدارٍ بحوزته..
على كل حالٍ، لم يكتفِ المُهندس بهذا وحسب، فقد اشترى من عندي كمية كبيرة من هذا المُنتج، وبالسعر الذي أردته، دون أي جدال أو فصال، ليوزعها مجاناً على كل من يزوره بالمكتب، وكذلك يُرسل أي مُنتج أحسائي للرواد وأهل الاختصاص!
وبعد ثلاثة أيامٍ على الكمال والتمام، اتصل بي ثلاثة من أرباب السير، واعتقد أهل التوثيق والتأريخ يعرفون مكانتهم جيداً:
ــ شيخ المؤرخين الأحسائي المرحوم الشيخ : جواد بن حسين الرمضان.
ــ المؤرخ الشيخ: حبيب آل جُميح من القطيف.
ــ الأُستاذ: أحمد بن عبد المُحسن البدر.
وكل واحدٍ منهم يقول: وصلني كتابك من “أبو اليسع”، واتصالنا بك نطلب سيرتك الذاتية لتدوينها عندنا!
حتى زاد كرم المهندس على أغلب وجوه الساحة الشعرية والسردية والفنية وغيرها، بحسه للمسؤولية الثقافية، والفكرية، والتخصصية، والمعمارية، والتراثية.. والقريب من صُحبته يُدرك ذلك تماماً من بداية العام الهجري 1400هـ وإلى اليوم 1443هـ؛ هذا بخلاف التعريف بي، والذهاب معي لمنزل الأديب الكبير: مُبارك بو بشيت بقرية الطرف ومنزل الأُستاذ الدكتور: أحمد اللويمي بقرية القارة وغيرهم الكثير الكثير.
لم تنحصر الجزالة لهذا الحد وحسب، فجُل كُتاب وأدباء الأحساء دعمهم ولا يزال إلى يومنا هذا يدعمهم، سواءً أكان بشراء إصداراتهم، أو تكفل مُنتجاتهم بكامل مواردها ومشاربها؛ وإن كان البعض منهم وربما أكثرهم يقدر ويستطيع على طباعة مضامينه وتصاميمه، ولكن مثلما يقولون: من يحمل هم الرسالة، يُبدع في الفكرة والوسيلة..
فأيُّ حسٍ ورثتك الباسقات شموخها؟ وأيُّ وجهٍ رأتك العيون في سنامها؟ فهل تخجل الأنامل من تذكار اسمك؟ أم تطرب النفوس من تعاريف رسمك؛ أيها الأب المُربي، والصديق (المُعبي)؛ والشريك الوافي في ضمير تراب أزقة قرية الجُبيل؟
بلى، إنه الحاضر بين أضلاع الفسائل، والريحان المترف في اخضرار الفصائل، والدائم القول والسند: “أرى نفسي فيكم بالحب والإكبار يا شباب المُستقبل”..
فسلام الله عليك أيها البحر الهجري، والمُنَظِر الفخري سعادة المهندس: عبد الله بن عبد المُحسن الشايب.