1- بيان المجلس الوطني الكوردي، المكتوب بلغة خجولة، حول المشروع التركي بتوطين مليون مهاجر سوري ضمن المنطقة الكوردية، كمرحلة ثانية لمسيرة التغيير الديمغرافي في غربي كوردستان.
2- رفض تركيا انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، تحت حجة مجموعة من مواطني الدولتين ذوو الأصول الكوردية الذين يهاجمون النظام الدكتاتوري في تركيا، متناسية العوامل الرئيسة والمطلوبة لانضمام أية دولة إلى الناتو.
والأغرب، معارضة البعض من أعضاء حزب العمال الكوردستاني في السويد ضد انضمامها إلى الناتو. الموقف انعكاس لضحالة المنطق والوعي، ويعري الجهالة المتراكمة.
الأول:
تحت غطاء لغة السياسة، والدبلوماسية، غاب ذكر كلمة الكورد، والمنطقة الكوردية، من كلية نص البيان، والمرتين اللتين تم ذكرها كانت في سياق ذكر أسم المجلس الوطني الكوردي. نقولها وبعد الشكر على إصدارهم للبيان، أنه خجول ولا يستحق الجهد المبذول عليه، ليتهم لم يصدروها، الشارع الكوردي ينتظر منهم الأكثر، فهناك من يقول إن المجلس يمثل جزء من الشعب الكوردي.
فهل إصدارها بهذه اللغة الملتوية كانت:
1- رهبة من تركيا، أم من الائتلاف، أو تحسبا لئلا يخسر البعض من قياداته رواتبهم.
2- أم تحت إملاءات قوى إقليمية بعدما تصاعدت لغة الشارع الكوردي وحراكه. فعدم التوضيح، وتغييب كلمة المنطقة الكوردية، والتغيير، معروف داخليا وليس خارجيا، يطال الشعب الكوردي المتواجد على أرضه التاريخية، والمشروع امتداد لما جرى ويجري في عفرين وسري كانيه وغيرهما. الديباجة الكلامية المهزوزة ستزيدهم خسارة بين المجتمع. نأمل أن يعيدوا النظر في مواقفهم، ليس فقط في هذه القشية، بل في قضايا أخرى، ليتمكنوا في إعادة القليل من مكانة المجلس السابقة.
3- أم أنهم أصبحوا متأثرين بإيديولوجية الأمة الديمقراطية، وبالتالي فأصبحوا يروجون للسياسة الطوباوية: لا اختلاف بين الشعبين العربي والسوري، والقضية هي الوطن السوري، والحلول القادمة للشعب الكوردي ستكون على منطق المواطنة، أي أن تركيا تقوم بالتغيير الديمغرافي ليس بحق الكورد كقومية، بل بالشعب السوري عامة. ولنفرض جدلا أن هذه حقيقة، فلماذا لم يتم إثارتها على المحافل المتمكنة بلوغها، ومحاولة إقناع أطراف المعارضة المتعاملة معها؟
يتكالب النقد على الإدارة الذاتية على أنها لا تمثل الشعب الكوردي، وهي حركة أممية كما تدعي، وليست قومية، وبالتالي لا تقف على القضايا من البعد القومي، علماً أن بياناتها ومواقفها في العلاقات السياسية الخارجية، كثيرا ما تكون صارخة في البعد القومي، وعليها تستند القوى الإقليمية والدولية على أنها حركة كوردية بامتياز، ويتم التعامل معها من هذا البعد، مع إضافات على أنها لعصبتيها القومية انجرفت نحو مستنقع التهمة بالإرهاب، بعكس أحزاب المجلس الوطني الكوردي، والتي لا تحتاج إلى إثباتات على أصالتها الكوردية كانتماء، والدفاع عن القضية بالقدر المستطاع، لكن هذا المستطاع يتم إضعافه وتقزيمه يوما بعد أخر، أمام المصالح الحزبية، أو الشخصية للبعض من القيادة. وبالتالي فالمنهجية الوطنية، أي المطالبة بدولة (المواطنة) والمماثلة للأمية الديمقراطية، أكثر ملائمة لهم، عند مواجهة القوى الخارجية، وهو ما يؤدي به أن يعرف على الساحتين بوجه متناقض مع أحزاب الإدارة الذاتية، أي كوردية في الانتماء وحملة منهجية المواطنة السورية على العلن والبيانات والتعاملات الدبلوماسية. وبالتالي يكون الشعب الكوردي قد ضاع بين زيف الادعاءات والتناقضات، وهمشت القضية أمام المصالح الحزبية والذاتية.
الثاني:
1- تناسي أردوغان وحكومته:
المقاييس الحضارية المطلوبة لأية دولة ترغب الانضمام إلى منظمة الناتو، كالبنية السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمق الديمقراطي لدساتيرهم، ومدى تطبيق تلك الدول لحقوق الإنسان، وسويات تعاملها مع حرية الإعلام والمعارضة السياسية.
2- التركيز على جدلية العداوة، أو مساعدة، الكورد وحراكهم:
وهو الشرط الوحيد لديه، لقبول الانضمام أو الرفض إلى الناتو، ربطها أردوغان بمدى تعامل الدولتين، أو أي دولة أخرى تريد الانضمام لاحقا، أي العلاقات السلبية أو الإيجابية مع الشخصيات أو الحركات الكوردية الذين تقيمهم محاكم أردوغان وحزبه، وقد أضيف إليهم قبل سنوات جماعة عبدالله كولن الذين أرادوا الإطاحة بحكمه.
جميع المطلوبين لتسليمها، من حملة الجنسية الفنلندية والسويدية، وبعضهم أعضاء في الحكومتين والبرلمان، يعارضون سياسة أردوغان الدكتاتورية، تجاه الإعلام الحر، وحرية الكلمة، وحقوق الإنسان، إلى جانب تعمله الإجرامي مع المعارضة، ومشاريع تركيا العنصرية بحق الشعب الكوردية وقضيتهم، وزجه للمئات من الذين يدافعون عن حرية الشعوب في تركيا، وحقوق الإنسان، بينهم العشرات من الصحفيين والمثقفين، في السجون بدون محاكمة.
والأغرب
مقارنته تركيا بفنلندا والسويد، المدرجتان على رأس قائمة أفضل الدول الحضارية والديمقراطية في العالم. ومقارنتهما بتركيا وقاحة سياسية قبل أن تكون سذاجة، وهي نابعة من العنجهية التي يتمادى فيها دون رادع دولي. يستغل أردوغان المكانة الاقتصادية والعسكرية والسياسية، التي بلغتها تركيا على أكتاف الشركات الرأسمالية العالمية، والصراع الدولي بين القوى الكبرى، لفرض شروطه، وبما أن قانون الناتو يسمح لدولة واحدة بالاعتراض، ليتم الرفض، فالمتوقع أن تحصل تركيا على بعض مطالبها، وقد تكون إيقاف التعامل مع الكورد، أو جزء من حراكهم، أو يتم التعويض عنهم بمطالب أعمق وأوسع إستراتيجيا، كقبول أمريكا بإعطائها طائرات ف-16 وتسمح لها بتطويرها دون قيود، وبالتالي قد تصبح على سوية ف-35، فأولئك الشخصيات لا يشكلون أي خطر على أمنها كما تدعيه، ولا يمكن مقارنة ثقلهم بما عليه صفقة الطائرات، والعملية مشابهة للصفقة التي عقدتها مع إسرائيل عندما أشترت دروناتها (الطائرات بلا طيار) وقامت بتطويرها، لتصبح أحد أفضل الدرونات العسكرية في العالم، طائرات بيرقدار.
وتغاضي الدول الأوروبية وأمريكا عن تناسيه السافر، أن تركيا، وحكومته بالذات، كانوا من أوائل الدول الراعية والداعمة للإرهاب (داعش والنصرة والمنظمات المماثلة لهما) وعملية استلام وتسليم الباب وجرابلس من منظمة داعش، استلام أعضاء قنصليتها في الموصل دون أي اعتداء، خير أثبات، والمساعدات لا زالت مستمرة، كما كانت عليه قبل أكثر من عشر سنوات، من تقديم الخدمات اللوجستية وفتح معابرها الدولية لأعضائهم بالدخول والخروج، إلى جانب فتح الممرات لإيصال جميع أنواع الأسلحة، ولدى جميع الدول المعنية، الوثائق والإثباتات الدامغة التي تجرم تركيا، كدولة تدعم وتحتضن الإرهابيين ومنظماتهم.
الحالتين سمة الحياة السياسية، لكن أعداءنا يمارسونها بإبداع، ونجاح، ونحن بضحالة يؤدي بنا من خسارة إلى خسارة. مع ذلك لا يزال الأمل قويا بالعودة لمراجعة الذات، واحتماليات رجحان مصالح الدول المتصارعة، لتقديم قضيتنا ومساعدة حراكنا، قد تساهم بخروجنا من مستنقع التيه.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية