أخطأت یا أرسطو ..
العربُ أسمی من ذلك !.
احمد البحراني
2015-11-23
یعتقد احد عظماء التنظیر في تاریخ البشریة -الیوناني أرسطو- في کتابه العَلَم “السیاسة” ؛ إنَّ الثورات تنجح في المجتمعات إن توفرت بعض الأسباب.
کالشعور بالتفرقة و التمییز ، وتقسیم الموارد الطبیعیة و الجغرافیة بین الأقالیم بشکل غیر متوازن، وعدم الإنسجام القومي بین فئات المجتمع ، واستهتار و خداع و ظلم الحکام ، واثارة الفتن الداخلیة عبر أیادٍ أجنبیة ، و أخیراً -الخوف- .
هنا اذ لا اری غموضا في ما طُرح من نقاط ، لکنني اُعرِّجُ علی عامل “الخوف” نظراً لعنوانه الکلِّي العریض.
فبحسب ارسطو و عندما یخاف المجرمون من عقاب السلطة یستبقون الاحداث بثورة ، ذلك للإفلات من السجن او الاعدام.
المهم في نظریة اَبُ المنطقْ أرسطو، انها تربط بین تفشي أيٍّ من الظواهر اعلاه و وقوع الثورة . لذا اتسائل : یاتری کیف إن تجسَّدت کُلها، و في الآن نفسه، و بأحَدِّ أشکالها في مجتمعٍ بعینه؟. حینها لابد من توقُّع حدوث ثورة جماهیریة تاریخیة خالدة تُضرب بها الأمثال و تُروی عنها القصص و الحکایات .
ربما و إن القینا نظرة عابرة علی تاریخ الأمم ، نجد مایُناقض ماذهب الیه ارسطو بتحلیل الثورات ، بمسبباتها و نتائجها ، لکننا سوف لن نعثر علی امثلة توفرت فیها شروط التغییر کلها ولم تتغیَّر ، إلّا ما ندر .
و بمراجعة سریعة لأهم محرِّکات الجماهیر نحو قلب نظام الحکم کما ذُکر آنفا ، و بلفتةٍ خاطفةٍ للعالم العربي تقتنع أن هناك خللاً یصیب هذه البقعة من الأرض، و تکتشف جازماً انك تتعامل مع نموذجٍ فرید من البحث !.
ففیها کل الأسباب تهیأت دون حاصل.
حتی تلك الشعوب التي قامت من نومها في 2011 ، لم تفق لأنها اکتفت او شبعت او جزعت من نومها الشتوي العمیق ، بل لما افرزتها شبکات التلفزة و ما افرزه القصف الصاروخي من ضجیج!. لذا تری الجمهور یعود لسریره من جدید لیأخذ قسطاً آخر من الراحة، متی ما خرست تلك الأصوات.
لاحظوا لیبیا مثلا. نصفُ قرنٍ من الظلام کان کافیا لیُغفيَ شعبا بأکمله ، فعندما فاقَ علی صوت قذائف مقاتلات التحالف الغربي العربي ، فاقَ مذعوراً مذهولاً تائها . نعم ، اسقط القذافي ، لکنه عاد و غطَّ في النوم و في کوابیس لانهایة لها.
في مصر و الیمن و سوریا و البحرین ، النتائج لیست افضل. الکوابیس ذاتها ، فالجنس العربي ذاته .. عربيٌ اصیل !.
ربما في تونس کان التغییر اوضح و انضج، لکنه لم یکن یتحقق، لولا الفیس بوك وبرامج التواصل -و الإعلام- الذي لعب الدور الأبرز باستسلام السلطة مبکراً .
في العراق، قبل و بعد الألفین و ثلاثة تحققت شروط انطلاقة ثورة عظیمة و بأجلی صورها (رجاءاً راجعوا اسباب الثورات عند ارسطو من جدید) لکنها لم تنطلق ، وما حصل مؤخراً لم یکن سوی حراكٍ ، زادَ کلُّ ما زادت درجات الحرارة، و -قَلْ- متی ما انخفضت !.
لکن العراق حالة فریدة و مختلفة اذا ما اخذنا بنظر الإعتبار ظروف هذا البلد الذي ارهقتهه ویلات الحروب علی مدی عقود. هو مرَّ بمرحلة استبداد قل نظیرها و انتفاضات و عقوبات و احتلال و حکم الدولة الاسلامیة بموازاة جمهوریة علمانیة !.
رغم حتمیة النظریات ، لکن لاشيء حتميٌ في السیاسةِ و علم الإجتماع خلافاً لباقي العلوم ، و دراسة مجتمعیة الوطن العربي خیر دلیل علی ذلك .
به ؛ تکتشف بل تتیقَّن، أنَّ لکلِّ قاعدةٍ استثناء، و ما اکثر استثناءاتنا العربیة خلال عقود مضت. وکلُّ ما حصل في منطقتنا العربیة کان مجرد حراك و شيء من التغییر، لکن نحو الأسوأ.
و لعل من ابرز معالم الثورات التي کتب عنها التاریخ -انما القطیعة مع الماضي- بینما الحاصل، هو العکس تماما . أمّا السبب بتقدیري، هو ان الثورة في العادة، یسبقها انقلاب ثقافي و عقائدي لافت عند اطیاف الشعب.لکن ماذا عن ماذُکر من نماذج وما لم یُذکر؟ هل تغیَّرت فیها العقلیة العربية ولو یسیراً ، بل هل ارادت التغییر اصلاً ، کَي نتحدث عن حدوث انقلاب فیها من عدمه؟. لا اظن ذلك. العرب أسمی من أن یتغیَّروا بهذه السرعة !.
2015-11-23