الأحزاب الكردية السورية تنتهج أساليب الأنظمة الحاكمة في احتواء الحراك الشعبي المدني ، بوسائل الاختراق ، وتمويل افراد ، ومجموعات للتغلغل ، والسيطرة ، وقد انكشفت مؤخرا جوانب من تلك الأساليب الملتوية التي ترقى الى درجات الفضيحة ، وتعبر عن مدى هبوط القيم الأخلاقية السياسية لدى مسؤولي هذه الأحزاب الفاشلة الي أصبحت عالة على شعبنا ، وعائقا امام مسيرة الحركة الوطنية الكردية ، فهل فعلا لدينا منظمات المجتمع المدني ، ذات المواصفات العالمية كما تزعم الأحزاب ؟ وهل هي نفسها جزء من المجتمع المدني ؟ .
فكما هو معلوم فان المؤسسات المشكلة ، من جمعيات مهنية ، ونقابات عمالية مستقلة ، وروابط اجتماعية ، وثقافية ، واقتصادية ، وعلمية ، وشبابية ، ونسوية ، والجماعات المجتمعية المحلية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، ومؤسسات العمل الخيري تنشأ ، وتتوسع ، في أطر الدول الوطنية المستقلة ، والتي تعمل خارج تمويل الحكومات ، ( غير حكومية ) ، وبصورة غير ربحية ، والاعتماد على الذات ، وبجهود تطوعية ، تعاونية ، والجزء الأكبر من هذه المنظمات التي تحقق النتائج المرجوة ، قد تتلقى معونات لتغطية النشاطات ، وتوسيعها ، من هيئات ( الأمم المتحدة ) المعنية ، ووصول بعضها الى الترشح في عضوية ( المجلس الاقتصادي الاجتماعي ) التابع للهيئة الدولية .
التعريف الحديث : ” المفهوم النبيل للمجتمع المدني الذي يعتبر من المفاهيم الحديثة في الثقافة السياسية المرتبطة تاريخيا بتاريخ الحداثة الغربية خصوصا في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية وان كان هناك شبه إجماع عند مفكري الاتجاه الليبرالي المعاصر حينما ينظرون الى المجتمع المدني باعتباره مجموعة المؤسسات الاجتماعية والثقافية التي تنتظم ضمنها مصالح وحساسيات فئات اجتماعية مختلفة كالعمال والمهنيين والجمعيات الحقوقية مما سيجعل المجتمع المدني اطارا منفتحا يضم بين حيثياته حقلا سياسيا شموليا ناقلا لكل التوترات والإرادات ومختلف الارهاصات والمطالب ، ويعمل أفرادها على تحقيق قيم ومصالح مشتركة بين السُلطات العامة والمواطنين؛ لتُساعد المجتمع على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وإيجاد حلول مبتكرة للقضايا التي يواجهها من فقر وبطالة وغيرها ” .
ارتبط مفهوم المجتمع المدني في العقود الأخيرة بسياق التحول والتغيير الذي عرفته بلدان اوروبا الشرقية في ثمانينيات القرن العشرين حيث كان للحركة النقابية وجماعات حقوق الانسان ، والمواطن ، والمفكرين الدور البارز في صناعة وتأطير التحولات الثورية الجارية حينها, وإعادة بناء الدولة والنظام السياسي بالشكل الديموقراطي ، ويشير مفهوم المجتمع المدني لكافة الانشطة التطوعية التي تنظمها الجماعة حول مصالح وقيم واهداف مشتركة وتشمل هذه الانشطة المتنوعة الغاية التي ينخرط فيها المجتمع المدني لتقديم الخدمات المتعددة ، كما عرفت بانها حركات غير تابعة للدولة تتحدى الأنظمة الاستبدادية، خاصة في وسط وشرق أوروبا ، وأمريكا اللاتينية .
وعلى الصعيد العالمي هناك انطباع بوجود إشكالية في العلاقة بين الأحزاب ، ومنظمات المجتمع المدني ، الى درجة عدم اعتبار الأحزاب جزء منها ، لاسباب عديدة منها وجود أحزاب في الحكم ، والسلطة ، ومنها يمينية متطرفة ، وعنصرية ، والأحزاب بصورة عامة سياسية، ومؤسسات المجتمع المدنـى ليست بالضرورة سياسية بل أغلبها اجتماعية ، ومهنية ، وثقافية ، لا تخلو من التأثير السياسي ،و الأحزاب تحكمها وتوجهها أيديولوجيات، أما مؤسسات المجتمع المدني فهناك تأثير للأيديولوجيات عليها ولكن لا توجهها أو تتحكم فيها.
في الخصوصية الكردية السورية
المناطق الكردية ليست وحدة إدارية موحدة ، متكاملة ، بل متعددة الاحتلالات ، وتتبع لاكثر من سلطة ، لذلك لاتضم منظمات مجتمع مدني مركزية ، او موحدة البرامج ، والاهداف بالمعنى العلمي – الموضوعي ، وهناك مايقارب من نصف الكرد السوريين اما مهجرون يعيشون في الشتات ، أو نازحون بالداخل .
السلطات المتحكمة بالمناطق الكردية من النظام ، الى القوى المحتلة ( تركيا ، أمريكا ، روسيا ، ايران ) اما انها تمنع ، أو ليس في اهتماماتها نشوء منظمات مدنية كردية تدافع عن حقوق المواطنين ، وحرياتهم ، ومصالحهم ، أما سلطة الامر الواقع التي يتحكم فيها – ب ي د – والمسميات الأخرى التابعة ل – ب ك ك – فانها لاتسهل قيام ونشاط منظمات ، اجتماعية ، وشبابية ، ومهنية ، ومطلبية ، لاتتبع آيديولوجيتها ، ولاتدور في فلكها .
في الخارج وبلدان الشتات الكردي السوري ، قامت عشرات بل مئات الجمعيات ، والروابط ، والمنصات ، الاجتماعية ، والثقافية ، والنسوية ، والفنية ، والبحثية ، والإعلامية وحتى المناطقية ، من جانب كرد سوريين ولكن ليست بأهداف قومية كردية ، بل تخضع لقوانين دول المنشأ ، وتحسب جزء من منظمات المجتمع المدني لشعوب تلك الدول ، وليست منظمات المجتمع الكردي السوري ، وهذا لاينفي بعض أدوارها الإيجابية في خدمة الكرد بشكل غير مباشر ، وهو امر مفهوم ، .
اما الأحزاب الكردية في طرفي الاستقطاب ( ب ي د و. ب د ك ، س ) فانها وبحسب المواصفات المعمولة بها عالميا ، لاتنتمي الى منظمات المجتمع المدني ( المعدومة أصلا بمناطقنا كما اسلفنا أعلاه ) ، لانها اما حاكمة ، او مؤدلجة ، مسيسة ، او تعتاش على المال السياسي ، او مسلحة ، او تستخدم المرأة ، والقصر في الاعمال القتالية .
وهنا لابد من الإشارة الى تنامي طموحات مشروعة ، على شكل محاولات فردية ، وشللية ، خصوصا من جانب الشباب من الجنسين في معظم المناطق ، من اجل تنظيم الطاقات لخدمة قضية الشعب الكردي في مختلف المجالات ، ولكن سرعان ما ( تستنفر ) الأحزاب أدواتها لاستيعابها ، او اختراقها ، او منعها .
لاشك ان هناك شروطا ذاتية ، وموضوعية يجب توفرها للاعتراف بان المحاولة – الفلانية – تقود الى تحقيق خطوات نحو تأسيس منظمة مجتمعية مدنية ومن ضمنها : تحقيق السلم ، والاستقرار ، والنظام الديموقراطي ، والاستقلالية بمعنى عدم التبعية لمراكز حزبية او سلطوية ، والابتعاد عن الادلجة ، والاعمال العسكرية ، والصراعات السياسية ، وفي الختام ليس لدينا نحن الكرد السورييون منظمات مجتمع مدني بمعناها الحقيقي ، ولكن لدينا محاولات ، واختبارات ، وطموحات مشروعة على الطريق .
ومن الان وحتى توفر ، وتراكم شروط ، انبثاق منظمات مدنية متماسكة ، مستقلة في مجتمعاتنا ، يفضل اطلاق تسمية ( نشطاء وطنيين مستقلين ) على كل الحراك الهادف الى تغيير الأوضاع نحو الاحسن ، وإعادة بناء الحركة الكردية السورية ، وتحسين الظروف المعيشية ، واستعادة الحرية والعدالة ، ونشر وتعميق العمل الثقافي ، والابداعي ، وقطع الطريق على كل البدع ، والردات المضرة ، الوافدة من ظلمات الكهوف ، والانحرافات الحزبوية ، والغريبة عن تقاليد حركتنا الكردية الاصيلة .
أحزابنا ليست – منظمات مدنية – وكذلك فراخها
شارك هذه المقالة
اترك تعليقا
اترك تعليقا