د محمد غاني ، أكاديمي و باحث مغربي
يعوداختراع الرادار المكون من عدة أسلاك إلى عالم الفيزياء الألماني هاينريش هيرتز(1857-1894) الذي استطاع في 11 نوفمبر 1886 في تجربة أولى استقبال الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة من مرسل صغيرقام ببنائه واستقبلها بمستقبل قام بتصميمه مكون من اثنين مما يسمى ثنائي قطب هيرتز، ونشر عمله ورسوم التركيب في صحيفة Annalen der PhysikundChemie (عدد. 36، 1889). وفي عام 1893 تبعه الفيزيائي الكرواتي نيكولا تسلا باجراء تجارب على رنانات كهربائية بسيطة تصدرترددات عالية. واستطاع في عام 1896 في نيويورك استقبال الموجات الصادرة من جهاز في نيويورك بواسطة مستقبل على بعد 30 كيلومترمنه وكان جهازالبث يعمل بقدرة 2 ميجاهيرتز. في 10 مايو 1897 تلاه العالم الإيطالي ماركوني وطورما قام به “تسلا ” ،حيثأ صدرإشارات لاسلكية (موجات كهرومغناطيسية) عبرقناة بريستول . واستخدم سلك معلق على العصى الخشبية لأحد الخيمات،وكانت تسمى بالإيطاليةl’antenna centrale ومنها اشتق كلمةAntenne ثم قام ماركوني في عام 1901 باستقبال موجات كهرومغناطيسة مرسلة من إيرلنداواستقبلهاعبرالمحيط الأطلسي في أمريكا، وحصل ماركوني مع الفيزيائي فردناند براون على جائزة نوبل في الفيزياء في عام 1909 عن مجهوداتهم في تطويرالتلغراف اللاسلكي.1.
يعمل قلب الانسان في بعده الروحي وفق نفس مبدأ الاشتغال حيث أن المقصود منه هو التقاط الاشارات الالهية من جهة و التأثر الموجات الترددية الايجابية لكل عمل انساني ايجابي أو الابتعاد عن الترددات السلبية لكل فعل انساني سلبي.
للمزيد من الشرح و التفصيل نرى بأن آلة رادار الروح هاته وهي “القلب” قد زودها الحق بمجموعة من الأجهزة المساعدة في فعالية أدائها و زيادة حساسية استقبالها للإشارات الكونية سواء كانت الهية أو إنسانية.
أول هاته الأجهزة هي البصر و هي في نظرنا جهاز موضوع لغاية أولى ظاهرة، و لأخرى خفية و هي المقصودة، و لا يخفى على أحد الغاية الأولى و التي هي معرفة الأشياء المرئية من أجل استخدامها أحسن استخدام من أجل اعمار هاته الأرض في خلافة لله بأعلى نسب مظاهر الاستخلاف، هذا عن الغاية الظاهرة من البصر أما الغاية الباطنة فهو تدريب هاته الحاسة على معرفة كنه الأشياء و تجاوز الظواهر الى البواطن فيتربى لدى الانسان نوع من ذكاء القراءة البصرية للأشياء المرئية و هو بعد واضح لبعض أبعاد الذكاء الروحي.
نظر القرآن الكريم لهذا المعنى بمفهوم عميق سماه “البصيرة” ، و نظرية البصيرة هاته لها ارتباط كبير بالمقصود من خلق الانسان و هو الترقي به الى مفهوم الانسان الكامل الذي هو الرسول الأكرم صلوات الله و سلامه عليه و من ثم كان لنا فيه أسوة حسنة ، حيث أن الانسان يبحث عن كماله في هذا النموذج المحمدي الذي كلما قرب من مستواه روحيا كلما ارتقى بحواسه من مستوى قراءة الظواهر الى درجة قراءة البواطن فيصبح آنذاك صالحا لمستوى مراد من الحق منه وهو مستوى الدعوة الى الله: “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين” يوسف 108 ، حيث أن الاتباع بفقه عين سبيل الترقي الى هذا المستوى الروحي و لا يتأتى حسن الاتباع الا بحسن استخدام أجهزة الرادار الروحي”القلب”.
أثنى الحق تبارك و تعالى على حسن الاستماع و ربط ذلك باللب و هو الرادار الروحي “القلب” حيث قال عز من قائل في سورة الزمر: الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب” الزمر 18، وحسن الاستماع فيه اشارة واضحة الى درجات متفاوتة في القراءة السمعية للأشياء و من ثم مستويات مختلفة أيضا للقراءة البصرية للأمور، و بالتالي مقامات متنوعة في الفهم عن الله و بالتالي تفاوت الناس في درجات الايمان، و من أجمل ما قرأت في هذا المضمار ما كتبه الاستاذ علوي بن عبد القادر السقاف “ومما يوضح ذلك تشبيه تركيب الإيمان بالتركيب الكيميائي: مثلما يتركب الملح مثلا من الكلور والصوديوم أو يتركب جزيء الماء من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين بحيث لو انتفى التركيب لانتفت الحقيقة مطلقا وتحولت الأجزاء إلى أشياء مختلفة تماما.”
ولكن لا يقف التركيب عند هذا الحد، بل يجب أن نضيف إليه أن هذه الأجزاء أو الهيئة المركبة تتكون تفصيلا من بضع وسبعين شعبة، وكل شعبة منها قابلة للتفاوت بين أعلى درجات الكمال وأدنى درجات النقص أو الاضمحلال والعدم.2.
إن كل فعل انساني له تردداته في هذا الوجود و التي إما أن تكون ايجابية أو سلبية و نشبه لذلك برجل ألقى بحجرة في بركة من الماء فستترك ترددات دائرية داخل البركة لا محالة و انما تختلف درجات تلك الترددات باختلاف قوة الالقاء فكذلك الفعل الانساني له تردداته حيث صاغ براين تريسي رائد علم نفس النجاح ذلك بقاعدة مفادها “أن لكل فعل عواقبه”3، و هو متضمن الآية الكريمة “إنا نحن نحيي الموتى و نكتب ما قدموا و آثارهم ” يس12.
كلما دخل الانسان براداره الروحي داخل شبكة réseau معينة، كلما تأثر بالترددات المتواجدة داخل تلك الشبكة لذلك نظر القرآن الكريم لشبكتين مختلفتين كنتاج لترددات العمل الانسانية “شبكة الغفلة “و يقابلها “شبكة الذكر” و كل رادار روحي له أن يوجه آلته الانسانية الروحية الى الشبكة التي يرتاح لها بحسب معرفة مزايا أو حتى سلبيات كل شبكة جاء في الحديث الصحيح: “الأرواح جنود مجندة ما تعرف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف” . أخرجه مسلم. و يقول عز من قائل: ” ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون”الأعراف 179، حيث ربط الحق بين فعالية اجهزة الرادار الروحي بمفهوم “شبكة الغفلة” و التي يقابلها مفهوم “شبكة الذكر” كل داخل لاحدى الشبكتين يختلف احساسه بتواجد راداره داخل الشبكة باختلاف رهافة احساس ذلك الرادار و لا تنزع الغلفة الترددية السلبية التي تزيد الرادار غلظة فلا يحس بدقيق الاشارات الالهية و الانسانية مما يزيده حجابا عن معرفة الله عز وجل الا كثرة ذكر الله عز وجل ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ” سورة المطففين 14-15.
1، انظر موسوعة ويكي بيديا بتصرف.
2،المسألة الأولى: العلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح، الدرر السنية، علوي بن عبد القادر السقاف.
3، براين تريسي ، ارسم مستقبلك بنفسك ص20.