مادونا عسكر/ لبنان
مؤلم أن نرى طلّابنا في لبنان فرحون للغاية باقتراح وزير التّربية والتّعليم العالي بإنهاء العام الدّراسي وترفيع الطّلّاب إلى صفوف جديدة. ولا بدّ من أن نتساءل عن سبب أو أسباب سعادة أبنائنا بعدم العودة إلى المدرسة. ولا بدّ من أن نقف قليلاً عند رأيهم في مفهوم التّعليم، هذا إذا كانوا بأغلبهم يدركون هذا المفهوم. لن ألوم الطّلّاب ولعلّهم ليسوا مطالبين بتفسير هذا الرّفض للمدرسة والتّعليم، بل وهذه المنظومة الشّاملة للتّربية والتّعليم. ماذا لو سألنا الطّلاب في لبنان أو في العالم العربي ككلّ عن السّبب الّذي يدفع الإنسان للتّعلّم، وعن مفهومهم للعلم، وعن هدف التّعلّم ومعايير النّجاح في القطاع التّعليميّ؟ لا أظنّ أنّ الإجابات على هذه الأسئلة المهمّة ستكون مقنعة. فطالما أنّ الطّالب ليس شغوفاً بالعلم ولا يعتبره حاجة ملحّة للنّموّ كما الطّعام والشّراب والهواء، فذاك يعني أنّه إمّا يعتبره من الكماليّات، وإمّا عقاباً عليه أن ينفّذه مع أنّه لم يفعل ما يستوجب هذا العقاب.
لعلّ العلم في مجتمعاتنا مرتبط بالعلامة والعلامة مرتبطة بالشّخصيّة. فنجاح التّلميذ متوقّف على رقم، إمّا يرفعه وإما يحوّله إلى شخص فاشل. كما أنّه مرتبط بمبدأ الامتحان ومفهومه. فغالباً ما يكون مبدأ الامتحان تحدٍّ للطّالب بدل أن يكون اختباراً لمعلوماته. بيد أنّ معايير النّجاح لا تقاس بالأرقام ولا بالامتحان التّحدّي، بل إنّ الرّقم ما هو إلّا نتيجة لاختبار المعلومات ونتيجة للفهم ومنهج التّفكير وطريقة التّلقي. ويسهل الحصول على الرّقم بشكل أو بآخر وإنّما بلوغ الفهم ومنهج التّفكير، فذاك يتطلّب تحويل التّعليم بمنظومته الكاملة إلى حالة فرح يعيشها الطّالب. ما يعزّز لديه الرّغبة في التّعلّم واكتساب المعرفة كما ينمّي في داخله مفهوم التّعليم من حيث هو بناء الإنسان بدل تنمية مبدأ الغشّ ليحصل على الرّقم المرتبط بشخصه أو مبدأ الحفظ الببغائيّ دون أن يترسّخ في داخله ما تعلّمه. فيتخلّى عن أفكار متجذّرة في ذهنه عن التّعليم بهدف المظهر الاجتماعيّ، أو تحقيق رغبة الأهل أو حلمهم، أو أنّ التّعليم يؤمّن له منصباً مهمّاً أو ما شابه. إنّ مجتمعاتنا تزدحم بطلّاب حاصلين على شهادات عليا، ومصنّفين أوائل ومتفوّقين. ونتساءل عن سبب تراجع مجتمعاتنا وتدهورها ثقافيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً وأخلاقيّاً وغرقها في الجهل والاستهتار.
تقع المسؤوليّة في الدّرجة الأولى على المعلّم ثمّ على الأهل. وربّما علينا إعادة النّظر في مفهوم التّعليم عند المعلّمين. فهل تحوّل إلى مجرّد وظيفة أم إنّه رسالة من خلالها نبني الإنسان، فنسهم في تقدّم مجتمعاتنا وتطوّرها ونموّها. هل ما زال المعلّم يعطي من ذاته للطّالب؟ هل ما زال يزرع ذاته في كلّ طالب؟ وهل طالب اليوم هو امتداد لمعلّمه؟ أظنّ أنّ لغة التّعليم اختلفت، وتحوّلت إلى لغة جافّة لا تروي بما يكفي عقل الطّالب ونفسه. المعلّم الّذي كاد يكون رسولاً غاب إلى حدّ ما، لذلك لم يعد الطّالب يقوم للمعلّم ويبجّله. كما أنّه فقد الرّغبة في التّعليم، فأفقد الطّالب الرّغبة الفطريّة بالتّعلّم. ولا أظلم المعلّم حين أتحدّث عن غيابه ولن أدخل في تفاصيل توحي للقارئ أنّني أتحدّث عن معلّم في عالم المثل. لكنّ التّعليم أساس تقدّم الشّعوب والمعلّم مربٍّ يعمل على بناء الإنسان وتكوينه الفكريّ. فإذا غاب المعلّم من يبني الفكر الإنساني ويعزّز قدراته؟