عاش العرب خلال القرن العشرين توتراً مشوباً بفقدان اليقين نتيجة للإصطراع الهوياتي .. إذ تزاحمت الهوية العربية القومية مع الهوية الدينية الإسلامية مثلما تدافعت الهوية العربية القومية والهويات الوطنية القطرية .. بل وصل الأمر حد الإحتراب بين الأنظمة العربية القومية والحركات الدينية الإسلامية المسيسة على أنقاض الأفكار الإصلاحية التي واءمت بين العروبة والإسلام كما جاء بها مفكرو الإصلاح والنهضة العربيين خلال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين .. وفي نهايات القرن العشرين ومع الإنكسارات والهزائم التي حلت بالأمة العربية والتي تحمل مسؤوليتها بجدارة التيار القومي العروبي .. تفاقم السعي للدعوة الى طرح الهويات الوطنية كنقائض للإنتماء العربي .. وصار الإنتماء العروبي يوصم باللوثة والتخلف والتندر !! .. وبعد إحتلال العراق وإسقاط النظام السابق .. أتيحت فرصة أكبر لإبرام القضاء على الهوية القومية .. نتيجة لحملة إعلامية مرسومة تماهي بين النظام العراقي السابق وبين الإنتماء القومي العربي .. وصار يطرح مصطلح (( الأمة العراقية )) في عملية زحزحة عمدية لتهميش المصطلح القديم (( الأمة العربية )) وتحيده أملاً في التخلص منه !! .. لكن مع صعود التيارات الإسلامية العربية ، والتيار القومي الكردي الى سدة الحكم في العراق منذ 9 / 4 / 2003 الأمر الذي مهّد الى (( ثمة حروب دموية فادحة تتغذى على الهويات – الفرعية – المتصارعة والنافية لبعضها البعض ، بينما بات مستقبل العراق مهدداً بالصراع السني – الشيعي ورغبة الأكراد الجامحة في الإستقلال )) .. طبعاً لابد من التحفظ على إطروحة الصراع السني – الشيعي .. لأن الامر ليس كذلك .. وإنما هو صراع بين تيارات سياسية وتكفيرية ومليشيات من كلا الجانبين يدفع ثمنه الباهض المواطن العادي الممتحن أصلاً بسبب إنعدام الخدمات وفقدان الأمن وإستشراء البطالة .. كما لابد من التحفظ على الحديث عن رغبة الأكراد بالإنفصال رغم الإستفتاء الذي أجري في كردستان حول الإستقلال .. إذ نهج فيما بعد قادة التحالف الكردستاني نهجاً أقرب الى وحدة العراق منه الى الإنفصال . يمكننا القول أن بإمكان الكردي أن يعتز بهويته الكردية ، والسني بهويته السنية ، والشيعي بهويته الشيعية ، والمسيحي بهويته المسيحية ، والصابئي بهويته الصابئية ، والتركماني بهويته التركمانية ، واليزيدي بهويته اليزيدية .. وأن يكونوا جميعاً عراقيين أصلاء أيضاً وأن يقدموا هويتهم العراقية لأنها رمز كرامتهم عند تعارضها مع الهويات الفرعية الأخرى .. ولا يضيرهم أبداً ان تفتخر الهوية العراقية بإنتمائها الى العروبة والإسلام .. لأن ذلك قدرهم .. وحسبهم ذلك .
ضمد كاظم الوسمي