آه يا نجوى
لم تكن آه واحدة بل كانت آهات طويلة من قلوب عانت من لوعة الحب ولوعة الفراق، تبدأ الأغنية بتساؤلات وحيرة، ثمّ بإيقاعٍ يشبه إيقاع الحياة البسيطة الهادئة في ذلك الوقت، وتنتهي كذلك، إيقاع واحد مستمر، يكسر رتابته نايٌ حزين وكمان وآلاتٌ أُخرى تريد أن تقول أنّنا هنا، ونحن الرّوح لما يجري في هذا الزّمن الرّتيب الثّقيل، ونحن الحياة العادية ما قبل الحبّ، وبدايات لقصة حب سطّر حروفها زهير الدجيلي و يصيغها بعبقريته اللحنية الجميلة الملحن محسن فرحان بصوت الآلات الموسيقية التي ابدع باستخراج جماليتها، وليتكلل الجمال كله بصوتٍ هادئ عذب هو صوت المطرب سعدون جابر ..
آه يا نجوى .. جزه الشوگ وجزاني والهوى بعيد يانجوى
آه يا نجوى هلچ وين يا نجوى
صحت آه
صحت آه و شجاني باچر العيد يانجوى
حينها كان احمد ذو الثمانية عشر عاماً يسرح بخياله مع مفردات الاغنية ويستمع اليها لكن ليس بأذنيه بل بقلبه وبكل جوارحه ويحيل اسم نجوى الى سلوى !
من هي سلوى التي يردد اسمها مع الاغنية ويناديها ..آآآه ياسلوى؟
كان ربيع نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي مزهراً في بغداد ونسمات رائحة أشجار الشبوي والرازقي والبرتقال والنارنج تعبق في اجواء المدينة وتجعل منها بقعة من بقاع الجنة.
في تلك الفترة نزلت عائلة قادمة من الشمال في الزقاق القريب من بيت احمد، الأب موظف في وزارة النفط والأم ربة بيت وولد بعمر يقارب السبعة عشر عاماً وإبنتان يافعتان وولد صغير، من اول ايام وجودهم في الحي كان للبنتين شأن واهتمام من قبل كل الشباب ومن الطبيعي ان يكون احمد من ضمنهم، لكن الصدفة وحدها جعلته يختلف عنهم حين أتت له ذات يوم تسأله من دون الجميع ..
مرحبة .. اين مكان فرن الصمون ؟ وقبل أن يشير لها الى المكان، نزلت آلهة الحب أفروديت من عليائها يتبعها كيوبيد يرفرف بجناحيه ويطلق سهماً يصيب قلبه، كان صوتها رقيقاً مثلها وتتكلم بلكنة جميلة لم يسمعها من قبل، تنساب الكلمات مثل صوت البيانو، لحظتها نادت عليها اختها بإسمها .. سلوى تعالي، ظلت تتحدث معها، لكنه لم يفهم بقية الكلام .. عرف حينها إنها من القومية الكردية .. ودعته بكلمة شكراً ..
في تلك اللحظة كان مذياع المقهى المجاور يصدح بأغنية نجوى ، فألتصقت هذه الأغنية بإسمها ..سلوى ، الأسم الذي نقش حروفه في قلبه .. ومن يومها صارت هذه الاغنية معشوقته، يرددها مع نفسه .. في البيت، الشارع، المدرسة، في كل مكان، حتى في احلامه، لم يكتف بذلك بل اشترى جهاز ( مسجل) وتوجه الى محل تسجيلات في منطقة الباب المعظم وطلب شريط كاسيت فيه اغنية آه يانجوى !
فقط هذه الاغنية ؟ قالها صاحب المحل بتعجب !
نعم اريدك ان تعمل لي كاسيت يحتوي هذه الاغنية فقط وتعيدها لأكثر من مرة على وجهي الكاسيت !!
مع اندهاشه الشديد لهذا الطلب لبّى له الرجل ما يريد، رجع أحمد جذلاً الى بيته والدنيا لا تسعهُ من السعادة والفرح.
مضت الايام وهو على هذا الحال يستيقظ وينام على سماع اغنية نجوى، ويقضي معظم نهاره على أمل ان يرى محبوبته سلوى، وفي احد الأيام أخذته قدماه دون ان يدري قرب بيتها، وماهي إلّا دقائق حتى رآها وجهاً لوجه .. سلوى !!
خفق قلبه وتسارعت دقّاته وبدون قصد منه ارتسمت على شفتيه ابتسامة مصحوبة برسالة من عينيه تسألها .. سلوى ..أين اختفيتِ ؟
لم يصدق نفسه عندما التفتت اليه قبل ان تدخل الى بيتهم و بادلته بأبتسامة سلبت منه رشده !
تسمّر في مكانه ولم يتقدم خطوة، تناهى له من بعيد صوت سعدون جابر قادم من مذياع بيت سلوى وهو يصدح ..
ياعيني لو طاح الندى
ياورد يحلى بلونه
غير اللي يورد بالندى
غير المحبة بلونه
برد الحدايق عافية يا نجوى
هلچ وين يا نجوى
هلچ وين يا نجوى
هلچ وين يا نجوى
انتهت.
محمد جبر حسن
العراق- هولندا