حمى إسقاط التماثيل والنزعة الصفرية عند العراقيين…‏

موسى فرج

موسى فرج

النزعة الصفرية عند العراقيين صحيح إنها لم ترد في معجم لسان العرب لابن ‏منظور، ولا في معجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي ولكنها مستخدمة من قبل ‏عدد غير قليل من الكتاب العرب يصفون بها طريقة تفكير العراقي، ويقصدون ‏بها إن موقف العراقي دائماً حدي وعلى طريقة عادل إمام يبيض يسود…‏
هذه الأيام وفي حمى المظاهرات المناهضة للعنصرية التي تجتاح الولايات ‏المتحدة ومعظم الدول الأوربية إثر مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد خنقاً ‏تحت ركبة ضابط الشرطة الأمريكي وتحت وقع الصيحات المنددة بالعنصرية ‏والتمييز تجتاح العالم حمى إسقاط المتظاهرين تماثيل ونصب رموز ‏العنصرية ‏والإتجار بالرقيق…‏ففي أمريكا بدأوا بتمثال كريستوفر كولومبس الذي ‏اكتشف القارة الأمريكية فأسقطوه أرضاً، ومن ثم أثنوا على تمثال الرئيس ‏الأميركي جيفرسون ليطرحوه أرضاً هو الآخر في فيرجينيا، وفي بريطانيا داسوا ‏تمثال بالأقدام، وغطوا آخر بالملاءات، وسحبوا ثالث وأغرقوه في اليم …‏ وفي ‏بلجيكا أسقطوا تمثال الملك ليوبولد الثاني…‏
ومع إن قضية إسقاط التماثيل لم تكن جديدة في العالم فقد أُسقطت تماثيل القادة ‏السوفيت في أوكرانيا عام 2013، ورومانيا عام1990 وأثيوبيا عام 1991 ‏وفنزويلا عام 2004، إلا إن العراقيون هم الروّاد في هذا المجال عندما أسقطوا ‏تمثال مود عام 1958 ولم تسبقهم إلى ذلك سوى المجر التي أسقطت تماثيل ‏القادة السوفيت في عام 1956، وفي عام 2003 عبث صبية بغداد وعموم بلاد ‏ما بين النهرين بتماثيل صدام…وسلوك العراقيين في عمليات السحل وتعليق ‏الأجساد قائمة على قدم وساق منذ أمد بعيد وهو ما يؤكد صفرية التفكير العراقي ‏‏…‏
قبل عام 2003 كنت في ذهابي وإيابي بين بغداد والسماوه أمرّ على صديق ‏عزيز جداً في الحلة لأقضي معه ساعة أو ساعتين لأواصل رحلتي…كان صديقي ‏الحلاوي الأثير بعثي قديم ومنشق على البعث بعد وصول صدام للسلطة لهذا ‏السبب لا أفوت ذهاباً أو مجيئاً دون المرور عليه لأجد صدره مفتوحاً لنمارس ‏حفلة شتم صدام والبعث براحتنا كان صديقي فيما مضى وفي منتصف الستينيات ‏يشغل منصب مدير بلدية الحلة لكنه إنتهي به المطاف ليتخذ من دكان للعطارة ‏مصدراً للرزق بعد انشقاقه على البعث ولكن والحق يقال فإن صاحبي خلص ‏عمره منشق فالآن ورغم أنه سيد عميدي وبإمكانه وضع عمامة ليغتني لكنه ‏أيضا منشق على المعممين ، في احدى المرات وبينما كنا نجلس في الدكان نشتم ‏على راحتنا أقبلت طفلة لا يتجاوز عمرها 6 سنوات وهي تحمل قبضة من أراق ‏نقدية فئة 50 دينار طبع وناولتها لصديقي وقالت له : عمو أريد بيضه … ‏وعندما ناولها البيضة وأراد أن يضع النقود في الدرج أمسكت يده القابضة على ‏النقود فتفاجأ وبحلق في وجهي ظناً منه إنه ارتكب خطأً قلت له : الله عليك ذاك ‏نضالكم الطويل مارستموه حتى تسوون البيضه أم الفلسين بهذه القبضة من ‏الدنانير…؟ ضحكنا حتى أبتلت وجناتنا…‏
قال: أحچيلك شغله، قلت تفضل، قال: بردة تشرين 1963 اعتقلونا وأخذونا ‏لسجن الفضيليه …منو لكَينا كَدامنا …؟ الشيوعيين اللي أحنا معتقليهم قبل ‏ذلك… بطريقنا للسجن حسبنا أنه راح تصير مشكله ويا الشيوعيين من ندخل ‏للسجن بس تفاجأنا الشيوعيين من دخلنا عليهم بطابور أستقبلونا بأغنية: سبحان ‏الجمعنا بغير ميعاد …تسامرنا وحچينا والعذيبي تنسم، سبحان الجمعنا بغير ‏ميعاد، صديقي ذكر لي اسم المطربه بس آنا نسيته…‏
‏ قبل أشچم سنه كتبت مقاله ذكرت فيها حكاية صديقي الحلاوي وما قاله عن ‏أغنية تسامرنا وحجينا لزهور حسين وچان تجيني قذيفه صفريه من صديقي ‏الأثير دكتور عدنان الظاهر من أعماق ألمانيا ومن ضفاف نهر الراين وهو ‏يقول: شلون تكَول أغنية تسامرنا وحچينا لزهور حسين …؟ لا يابه هاي الأغنيه ‏للميعه توفيق شداتحچي أنت …؟ آنا ما واكَف على أرض صلبه وأوثق الأسماء ‏مثل دكتور رشيد الخيون ، رأساً رفعت الرايه البيضا أمام هجوم صديقي الظاهر ‏واعتذرت ، قبل اشجم يوم كتب لصديقي وقلت إن الفوضى بالعراق مثل نهر ‏أرسطو لا يمكنك دخوله مرتين …بعد ما دزيت الرساله أنتبهت احتمال عبارة ‏النهر لأفلاطون وانا كتبتها لأرسطو وراح أتعرض لقذيفه صفريه عراقية مثل ‏قذيفة صديقي دكتور عدنان الظاهر ، رحت للكَوكَل أتأكد من قضية النهر لكَيته لا ‏لأرسطو ولا لأفلاطون وإنما لهيراقليطس ، كتبت لصديقي معتذراً وذكرت له ‏شغلة الأغنيه فكتب لي : بس لمعلوماتك أغنية تسامرنا وحچتنا لا لزهور ولا ‏للميعه وانما لوحيده خليل …! كَلتله: دكَلّه للظاهر يمعود بوكتها چان سوا علي ‏منع سفر وچان حالني جنحه…‏
قبل أسابيع صادف ذكرى تحرير الفاو وهمين عبر العراقيون عن نزعتهم ‏الصفريه فالبعثيين ترسوا الفيسبوك زرق ورق محتفلين بالمناسبه ‏ويصوروها ‏إنجاز لصدام، ومن يعارضهم يعتبرونه فاقد للوطنية وسليل العماله، ‏والآخرين ‏شجبوا المناسبه ورفضوا الاحتفال بها لأن ضحايا تحرير الفاو بلغ عديدهم 50 ‏ألف ‏عراقي ويقولون عمن يحتفل بالمناسبة أنت بعثي أبن بعثي وسليل صدام ، ‏آنا ‏الفقير لله كَلت يجماعه الحچي مو هيچي لازم نفصل بين قضيتين: تحرير ‏أرض ‏عراقية وهي مناسبة تستوجب الاحتفاء بها ، وفقدان 50 ألف عراقي ‏لأرواحهم مناسبة ‏تستوجب الشجب والإدانة لصدام ونظامه اللذان تسببا بها في ‏أصلها وختامها‏، قبلها بحوالي شهر مرت مناسبة 9/ 4 وهمين بعضهم أعتبرها ‏تحرير واحتفل ‏بها والبعض الآخر اعتبرها احتلال ولبس السواد …وكَلنا يجماعه ‏مو هيچي الحچي‏‏…لازم نفصل بين قضيتين سقوط نظام صدام نحتفي به واحتلال ‏العراق نحزن ‏بسببه…اليوم نفس الشغله راح تجي 14 تموز وهمين بعضهم ‏يريد يشيطن 14 تموز وقيادتها لأنها تسببت بسحل نوري والوصي وانقتل فيها ‏ملك شاب يعود نسبه إلى الهواشم من قريش، والبعض ‏الآخر يريد يحتفل بيها ‏باعتبارها خلصته من نفوذ الإقطاع وبعض من شيوخ العشائر الذين كانوا ‏يحلقون شوارب أتباعهم ويضطهدون الناس بأكثر مما فعل الضابط الأمريكي ‏بجورج فلويد المواطن الأمريكي الأسود … وهمين آنا الفقير لله أكَول يجماعه ‏الحچي مو هيچي لازم ‏نفصل بين قضيتين، نظام نوري سعيد ندينه بأبلغ عبارات ‏الإدانة والغوغاء الذين ‏قاموا بالسحل وقتل الملك الشاب ندينهم ونستنكر فعلتهم، ‏ولكن أن نشيطن 14 تموز ‏وقيادتها لأمر لم يقترفونه وإنما نوري سعيد هو من ‏هيأ الأرضية لحصوله …هذا ‏لا يجوز وكافي عاد لازم نطلع من النزعه الصفرية ‏في تفكيرنا…وتفضلوا شوفوا بعد 62 سنه من إسقاط العراقيين لتمثال مود ‏ستانلي الشعوب بدأت بإسقاط تماثيل رموز العنصرية وفي هذا لم نكن إلا الرواد ‏في هذا المنحى وعود اللي يعتقد هذي الشغله تتعارض مع قيم الحفاظ على ‏الجمال فليذهب إلى ما يكل أنجلو ودافنشي اللذان صنعا الجمال ويمر بطريقه على ‏فان كوخ الذي يصنع من القمامة لوحة مبهرة تشد الأنظار ….

نبذة عن الكاتب

مقالات ذات صله

الرد